كتاب مختصر صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 3)
«وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ».
قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا، وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا.
1690 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا}؛ قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. قَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - نِعْمَةُ اللَّهِ، {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}؛ قَالَ: النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ.
1691 - عن عُروةَ قالَ: ذُكِرَ عندَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها أنَّ ابنَ عمرَ رفع إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الميِّتَ يُعَذَّبُ في قبرِهِ بِبُكاءِ أهلِهِ". فقالَتْ: إنَّما قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
__________
=باختصار.
(فائدة): شاع عند المتأخرين استدلالهم بمناداة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لموتى المشركين في هذه الحادثة على أن الموتى يسمعون، وبعضهم يتَّخِذ ذلك ذريعة ليتوصل إلى إباحة ما يفعله كثير من الجهال من الاستغاثة بالأولياء والصالحين عند الشدائد مِن دونِ الله تعالى، ولست أريد الآن أن أثبت أن هذه الاستغاثة إنما هي الشرك بعينه؛ فإن الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة معروفة عند من يعرف التوحيد الخالص، ولكني أردتُ إزالة شبهة الاستدلال المذكور من بعض الأذهان المؤمنة، فأقول:
من الملاحظ أن عمر نفسه رضي الله عنه قد استدل بنفس الآية التي استدلت السيدة عائشة على أن الموتى لا يسمعون، وهي قوله تعالى: {إنك لا تُسْمعُ المَوْتى}، والذين يذهبون إلى أن الموتى يسمعون -مع أنهم لا دليل عندهم- فإنهم يلزمهم ليس فقط تخطئة عائشة رضي الله عنها؛ بل وتخطئة عمر أيضاً، ومثل هذه التخطئة من أصعب الأمور؛ لأنها تخطئة بدون حجة أولاً؛ ولأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد أقر عمر على استدلاله المذكور ثانياً، وهذا لا يجوز، لا يقال: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا قال لهم: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"؛ فقد رد عليه؛ لأننا نقول: إنه لم يرد على عمر أصل استدلاله بالآية، أو بالأحرى فهمه للآية، وإنما رد عليه تطبيق هذا الأصل على هذه الجزئية، فكأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول له: فهمك للآية صحيح، ولكن هذه الجزئية لا تشملها الآية؛ لأن الله تعالى أحياهم فأسمعهم؛ كما قال قتادة. ويراجع لهذا مقدمتي لكتاب، "الآيات البينات" للشيخ نعمان الآلوسي بتحقيقي وتخريجي.
الصفحة 14
624