كتاب مختصر صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 3)
بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِىَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ.
قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِى مَعَ أَبِى عَامِرٍ، فَرُمِىَ أَبُو عَامِرٍ فِى رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِىٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِى رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمّ! مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِى مُوسَى (151) , فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِى الَّذِى رَمَانِى. فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِى وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلاَ تَسْتَحِى؟! أَلاَ تَثْبُتُ؟! فَكَفَّ , فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لأَبِى عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ. قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ. فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِى! أَقْرِئِ النَّبِيَّ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِى أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ (152) وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ في بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِى عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:
«اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِى عَامِرٍ»، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
«اللَّهُمّ! اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ».
فَقُلْتُ: وَلِى فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ:
«اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيمًا».
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لأَبِى عَامِرٍ، وَالأُخْرَى لأَبِى مُوسَى.
__________
(151) يقوله أبو موسى معبراً عن نفسه بالغيبة.
(152) بهذا الضبط، ولأبي ذرٍّ: "مُرَمَّلٍ" بفتح الراء والميم الثانية المشددة؛ أي: منسوج بحبل ونحوه.
الصفحة 87