كتاب مشكل الحديث وبيانه

وَقَوله يرفعهُ لأعلى معنى رفع من مَكَان إِلَى مَكَان وَلَكِن رفع لَهُ على معنى أَنه قد تقبل وَأَن الْكَلَام إِذا اقْترن بِهِ الْعَمَل الصَّالح قبلا دون أَن ينْفَرد الْكَلَام من الْعَمَل وَأما قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة عِيسَى {بل رَفعه الله إِلَيْهِ}
فَمَعْنَاه رَفعه إِلَى الْموضع الَّذِي لَا يعبد فِيهِ إِلَّا الله وَلَا يذكر فِيهِ غَيره لَا على معنى أَنه ارْتَفع إِلَيْهِ كَمَا يترفع الْجِسْم من سفل إِلَى جسم فِي علو بِأَن يقرب مِنْهُ بالمسافة والمساحة
ثمَّ ذكر قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} وتوهم أَنه يحْتَج بِهِ على الجسمية فَقَالَ أَلَيْسَ الْعلم محيطا يَا ذَوي الْأَلْبَاب إِن الله عز وَجل لَو كَانَ فِي كل مَوضِع وَمَعَ كل بشر وَخلق كَمَا زعمت المعطلة الْجَهْمِية لَكَانَ متجليا لكل شَيْء ويدك جَمِيع مَا فِي الأَرْض كَمَا دك الْجَبَل وَهَذَا مِنْهُ وهم فَاسد من قبل أَن التجلي للرب سُبْحَانَهُ تَعَالَى للجبل على معنى أَنه جعل الْجَبَل حَيا عَالما رائيا حَتَّى رأى الله تَعَالَى ثمَّ دكه عِنْد الرُّؤْيَة عَلامَة لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ لَا يرَاهُ أحد فِي الدُّنْيَا إِلَّا دكه إِلَّا من خصّه بِالرُّؤْيَةِ إنابة وتشريفا وَهُوَ نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَيْسَ معنى تجلي الله لخلقه بِأَن يكون مَعَهم بالمساحة والصحبة والمجاورة وَلَا أَن ذَلِك مَذَاهِب الْمُخَالفين أَيْضا حَتَّى يتَوَهَّم عَلَيْهِم أَنه يجب عَلَيْهِم إِذا قَالُوا إِن الله فِي كل مَكَان وَمَوْضِع قَالَ

الصفحة 393