كتاب مشكل الحديث وبيانه

فصل آخر

ثمَّ ذكر فِي تَرْجَمَة بَاب ذكر كَيْفيَّة تكلم الله جلّ وَعز بِالْوَحْي فَذكر حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَوَات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أَنه من أَمر السَّاعَة ثمَّ قَرَأَ {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}
وَأعلم أَنه قد بَينا قبل معنى هَذَا الْخَبَر وَأَن الصلصلة لِلسَّمَوَاتِ وَهِي مُضَافَة إِلَيْهَا فِي الْخَبَر نصا وَمعنى ذَلِك مَا يخلق من الْعبارَات عَن كَلَامه وَأَن يكون أصواتا مخلوقة فِي غَيره هِيَ أصوات لغيره وَلَو قَالَ فِي هَذِه التَّرْجَمَة الْبَيَان عَن معنى تكليم الله بِالْوَحْي خلقه لَكَانَ أولى لِأَن الْكَلَام والمتكلم شَيْء وَاحِد
وَأما التكليم فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ
هُوَ صفة الْكَلَام يُوصف بهَا الْكَلَام إِذا أفهم المخاطبين مُرَاده بِمَا يحدثه من الْعبارَات والكنايات وَلَيْسَ لتكلم الله كَيْفيَّة وَلِأَن مَا ذكره فِي الْخَبَر فِي بَيَان التَّرْجَمَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان التكليم لَا إِثْبَات التَّكَلُّم
وَقد رُوِيَ فِي خبر آخر أَيْضا أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
إِذا قضى الله الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها خضعانا لقَوْله كَأَنَّهَا سلسلة على صَفْوَان

الصفحة 450