كتاب الشرح الكبير على المقنع ت التركي (اسم الجزء: 1)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَرْنا أمْرَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالتَّخْلِيلِ، وأنَّه كان يَعْرُكُ أصابِعَه بِخِنْصَرِه بَعْضَ العَرْكِ، وهذا كلُّه يَدُلُّ على وُجُوبِ الغَسْلِ؛ لأنَّ المَمْسُوحَ لا يَحْتاجُ إلى الاسْتِيعابِ والعَرْكِ. وأمّا الآيةُ، فقد رَوَى عِكْرِمَةُ، عن ابنِ عباسٍ، أنَّه كان يَقْرأُ. {وَأَرْجُلَكُمْ} (¬1). قال: عادَ إلى الغَسْلِ (¬2). ورُوِيَ عن عليٍّ وابنِ مسعودٍ والشَّعْبِيِّ قِراءَتُها كذلك. وهي قِراءةُ ابنِ عامِرٍ، فتَكُونُ مَعْطُوفةً على اليَدَينِ، ومَن قَرَأَ بالجَرِّ فللمُجاوَرَةِ، كقولِه تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} (¬3). جَرَّ أَلِيمًا، وهو صِفَةٌ للعَذابِ على المُجاوَرَةِ. وقولِ الشّاعرِ (¬4):
فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِنْ بَينِ مُنْضِجٍ … صَفِيفَ شِوَاءٍ أو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ
فجَرَّ قَدِيرًا مع العَطْفِ للمُجاوَرَةِ. وإذا احْتَمَلَ الأمْرَين وجَبَ الرُّجُوعُ إلى فِعْلِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لأنّه مُبَيِّنٌ، يُبَيِّنُ بفِعْلِه تارَةً، وبقَوْلِه أُخْرَى. ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، في حديث عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ (¬5): «ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ» (¬6) فثَبَتَ بهذا أنَّ الله تعالى إنَّما أمَرَه
¬_________
= ماجه 1/ 154. والدارمي، في: باب ويل للأعقاب من النار، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 179. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 193، 201، 205، 211، 226.
(¬1) بعد هذا في حاشية الأصل: «بالنصب».
(¬2) أي عاد الأمر إلى الغسل. انظر: تفسير الطبري. 10/ 55.
(¬3) سورة هود 26.
(¬4) البيت لامرئ القيس من معلقته المشهورة، وهو في ديوانه 22. وهو من الشواهد النحوية. انظر: معجم شواهد العربية للأستاذ عبد السلام هارون 1/ 305.
(¬5) عمرو بن عَبَسَةَ بن عامر السلمي، أبو نجيح، أسلم قديما بمكة، وكان أخا أبي ذر لأمه، توفي في أواخر خلافة عثمان. تهذيب التهذيب 8/ 69.
(¬6) ذكر الحديث بطوله السيوطي، في الجامع الكبير 2/ 582. وقال: «أخرجه سعيد بن منصور.
الصفحة 297
464