كتاب الشرح الكبير على المقنع ت التركي (اسم الجزء: 10)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجمِيعَ ليُنْفِقَه في جِهَةِ قُرْبَةٍ، فلَزِمَه إنْفاقُ الجميعِ فيها، كما لو وَصَّى أن يحُجَّ عنه بألْفٍ.
فصل: ومَن أُعْطِىَ شيئًا يسْتَعِينُ به في الغَزْوِ، فقال أحمدُ: لا يتْرُكُ لأهْلِه منه شيئًا؛ لأنَّه ليس يَمْلِكُه، إلَّا أن يَصِيرَ إلى رَأْسِ مَغْزاهُ، فيَكُونَ كهَيْئَةِ مالِه، فيَبْعَثُ إلى عِيالِه منه، ولا يتَصَرَّفُ فيه قبلَ الخُروجِ؛ لئلَّا يتَخَلَّفَ عن الغَزْوِ، فلا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِما أنْفَقَه، إلَّا أن يَشتَرِىَ منه سِلاحًا، أو آلةَ الغزْوِ. فإن قَصَد إعْطاءَه لمَن يغْزُو به، فقال أحمدُ: لا يتَّخِذُ منها سُفْرَةً فيها طَعام، فيُطْعِمَ منها أحدًا؛ لأنَّه إنَّما أُعْطِيَها ليُنْفِقَها في جِهَةٍ مخْصُوصَةٍ، وهى الجِهادُ.
فصل: وإذا أُعْطِىَ الرجلُ دابَّةً ليَغْزُوَ عليها، فإذا غَزا عليها مَلَكَها، كما يمْلِكُ النَّفَقَةَ المدْفُوعَةَ إليه، إلَّا أن تَكُونَ عارِيَّةً، فتَكُونَ لصاحِبِها، أو حَبْسًا فيكونَ حَبْسًا بحالِه. قال عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: حَمَلْتُ على فَرَسٍ عَتِيقٍ في سبيلِ اللَّهِ، فأضاعَه صاحِبُه الذى كان عندَه، فأرَدْتُ أن أشْتَرِيَه، وظَنَنْتُ أنَّه بائِعُه بِرُخْصٍ، فسألتُ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: «لَا تَشْتَرِه، وَلَا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ وَإنْ أعْطاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فإنَّ العَائِدَ في صَدَقَتِه كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئهِ». مُتَّفَقٌ عليه (¬1). وهذا يدُلُّ على أنَّه مَلَكَه، لولا ذلك ما باعَه، ويدُلُّ على أنَّه مَلَكَه بعدَ الغزْوِ؛ لأنَّه أقامَه للبَيْعِ بالمدينةِ، ولم يكُنْ ليَأْخُذَه مِن عُمَرَ، ثم يُقِيمَه للبَيْعِ في الحالِ، فدَلَّ على أنَّه أقامَه للبَيْعِ بعدَ
¬_________
(¬1) تقدم تخريجه في 6/ 544.

الصفحة 175