كتاب الشرح الكبير على المقنع ت التركي (اسم الجزء: 27)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد عُرِفَ مِن مذهبِ الخَوارجِ تَكْفِيرُ كثيرٍ مِن الصحابةِ، ومَن بعدَهم، واستِحْلالُ دِمائِهم وأمْوالِهم، واعتِقادُهم التَّقَرُّبَ إلى رَبِّهم بقَتْلِهم، ومع هذا لم يَحْكُمْ أكثرُ الفُقَهاءِ بِكُفْرِهم؛ لتأْويلهم. وكذلك يُخَرَّجُ في كُلِّ مُحَرَّم اسْتُحِلَّ بتَأْويلٍ مِثلِ هذا. فقد رُوِيَ أنَّ قُدامَةَ بنَ مَظْعُونٍ شَرِب الخَمْرَ مُسْتَحِلًّا، [فأقامَ عمرُ عليه الحَدَّ، ولم يُكَفِّرْه. وكذلك أبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيل، وجماعةٌ، شَرِبُوا الخَمْرَ بالشَّامِ مُسْتَحِلِّينَ] (¬1) لها، مُسْتَدِلِّين بقولِ اللهِ تعالى: {لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (¬2) الآية (¬3). فلم يُكَفَّرُوا، وعُرِّفُوا تَحْريمَها، فتابُوا، وأُقِيمَ عليهم (¬4) الحَدُّ (¬5) فيُخَرَّجُ في مَن كان مثلَهم مثلُ حُكْمِهم. وكذلك كُلُّ جاهلٍ بشيءٍ يُمْكِنُ أن يَجْهَلَه، لا يُحْكَمُ بكُفْرِه حتى يَعْرِفَ ذلك، وتَزُولَ عَنه الشُّبْهَةُ، ويَسْتَحِلَّه بعدَ ذلك. وقد قال أحمدُ، رَحِمَه اللهُ: مَن قال: الخمرُ حَلالٌ. فهو كافرٌ يُسْتَتَابُ، فإن تابَ، وإلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُه. وهذا مَحْمُولٌ على مَن لا يَخْفَى على مثلِه تحْريمُه؛ لِما ذَكَرْنا. فأمَّا إن أكَلَ لحمَ الخِنْزيرِ، أو مَيتَةً، أو شَرِب خَمْرًا، لم يُحْكَمْ برِدَّتِه بمُجَرَّدِ ذلك، سَواءٌ فَعَلَه في دارِ الحربِ أو دارِ الإِسْلامِ؛ لأنَّه يجوزُ أن يكونَ فَعَلَه مُعْتَقِدًا تَحْريمَه، يفعلُ غيرَ
¬_________
(¬1) سقط من: الأصل.
(¬2) سورة المائدة 93.
(¬3) تقدم تخريجه في: 26/ 414.
(¬4) في الأصل: «عليه».
(¬5) في م: «حدها».

الصفحة 112