كتاب الشرح الكبير على المقنع ت التركي (اسم الجزء: 27)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فبينَهم وبينَ ربِّهم، فمَن اعْتَقَد الإِسلامَ بقَلْبِه، وأسلمَ فيما بينَه وبينَ رَبِّه، فهو مسلمٌ عندَ اللهِ موْعودٌ بما وَعَد به مَن أسْلَمَ طائِعًا، ومَن لم يَعْتَقِدِ الإِسلامَ بقَلْبِه، فهو باقٍ على كُفْرِه، لا حَظَّ له في الإِسلامِ، وسَواءٌ في هذا مَن يُجَوِّزُ إكْراهَه ومَن لا يُجَوزُ، فإنَّ الإِسلامَ لا يَحْصُلُ بدونِ اعْتِقادِه مِن العاقلِ، بدليل أنَّ المُنافِقِين كانوا يُظْهِرُونَ الإِسلامَ، ويَقُومُونَ بفَرائِضِه، ولم يكُونوا مُسْلِمِين.
فصل: ومَن أُكْرِهَ على الكُفْرِ، لم يَصِرْ كافِرًا. وبهذا قال مالكٌ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ. وقال محمدُ بنُ الحسنِ: هو كافِرٌ في الظَّاهِرِ، تَبِينُ منه امرأتُه، ولا يَرِثُه المسلمون إن ماتَ، ولا يُغَسَّلُ، ولا يُصَلَّى عليه، وهو مسلمٌ فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالى، لأنَّه نَطَق بكَلِمَةِ الكُفْرِ، فأشْبَهَ المُخْتارَ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} (¬1). ويُرْوَى أنَّ عَمَّارًا (¬2) أكْرَهَه المُشْرِكون، فضربُوه حتى تَكَلَّمَ بما طَلَبُوا منه، ثم أتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يَبْكِي، فأخبرَه، فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ عَادُوا فَعُدْ» (¬3). ورُوِيَ أنَّ الكُفَّارَ كانوا يُعَذِّبُونَ المُسْتَضْعَفِينَ مِن المؤمِنِين، فما منهم أحَدٌ إلَّا أجابَهم، إلَّا بلالًا، فإنَّه كان يقولُ: أحَدٌ. أحَدٌ (¬4).
¬_________
(¬1) سورة النحل 106.
(¬2) في الأصل: «عميرا».
(¬3) تقدم تخريجه في 22/ 154.
(¬4) أخرجه البيهقي، في: باب المكره على الردة، من كتاب المرتد. السنن الكبرى 8/ 209. وانظر: =

الصفحة 175