كتاب الشرح الكبير على المقنع ت التركي (اسم الجزء: 27)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عُفِيَ لأمَّتِي عَنِ الخَطَأ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ» (¬1). ولأنَّه قول أُكْرِهَ عليه بغيرِ حَقٍّ، فلم يَثْبُتْ في حَقِّه، كما لو أُكْرِهَ على الإِقْرارِ، وفارَقَ ما إذا أُكْرِهَ بحَقٍّ، فإنَّه خُيِّرَ بينَ أمْرَينِ يَلْزَمُه أحدُهما، فأيُّهما اخْتارَه ثَبَت حُكْمُه في حَقِّه. فإذا ثَبَت أنَّه لم يَكْفُرْ، فمتى زال عنه الإكراهُ، أُمِرَ بإظْهارِ إسْلامِه، فإن أظْهَرَه فهو بَاقٍ على إسْلامِه، وإن أظْهَرَ الكُفْرَ حُكِمَ أنَّه كَفَر مِن حينَ نَطَق به؛ لأنَّنَا تَبَيَّنَّا بذلك أنَّه كان مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ بالكُفْرِ مِن حينَ نَطَق به، مُخْتارًا له. وإدْ قامَتْ عليه بَيِّنَةٌ أنَّه نَطَق بكَلمةِ الكُفرِ، وكان محبوسًا عندَ الكُفَّارِ، أو مُقَيَّدًا عندَهم في حالةِ خوفٍ، لم يُحْكَمْ برِدَّتِه؛ لأنَّ ذلك ظاهر في الإِكراهِ. وإن شَهِدَت أنَّه كان آمِنًا حال نُطْقِه حُكِمَ (¬2) برِدَّتِه. فإنِ ادَّعَى ورثتُه رُجوعَه إلى الإِسْلامِ، لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لأنَّ الأصلَ بَقاؤْه على ما هو عليه. وإن شَهِدَتِ البَيِّنَةُ عليه بأكْلِ لحمِ الخِنْزِيرِ، لم يُحْكَمْ برِدَّتِه؛ لأنَّه قد يأكلُه مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَه، كما يشربُ الخمرَ مَن يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَها. وإن قال بعضُ ورَثَتِه: أكلَه مُسْتَحِلًّا له. أو أقَرَّ برِدَّتِه، حُرِمَ مِيرَاثَه؛ لأنَّه مُقِرٌّ بأنَّه لا يَسْتَحِقُّه، ويُدْفَعُ إلى مُدَّعِي إسْلامِه قَدْرُ ميراثِه؛ لأنَّه لا يَدَّعِي أكثرَ منه، ويُدْفَعُ الباقِي إلى بَيتِ المالِ؛ لعَدَمِ مَن يَسْتَحِقُّه، فإن كان في الورثةِ صغيرٌ أو مجنونٌ، دُفعَ إليه نَصيبُه، ونصيبُ المُقِر برِدَّةِ الموروثِ؛ لأنَّه لم تثْبُتْ
¬_________
= السيرة النبوية 1/ 317 - 321.
(¬1) تقدم تخريجه في 1/ 276.
(¬2) سقط من: م.

الصفحة 176