كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ت التركي (اسم الجزء: 28)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في زَمَنِنا هذا- الخُروجُ عنها. وقد يَلْزَمُ أنَّ الفِسْقَ مانِع، ويقالُ: المانِعُ لا بدَّ مِن تحَقُّقِ ظَنِّ عدَمِه، كالصبِيِّ والكُفْرِ. وقال الشّيخُ تَقِيّ الدِّينِ، رَحِمَه اللهُ: مَنْ قال: إنّ الأصْلَ في الإنْسانِ العَدالةُ. فقد أخْطَأ، وإنما الأصْلُ فيه الجَهْلُ والظُّلْمُ؛ قال اللهُ تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (¬1). وقال ابنُ القَيِّمِ، رَحِمَه اللهُ، في أواخِرِ «بَدائِع الفَوائدِ»: إذا شكَّ في الشاهِدِ، هل هو عَدْلٌ أم لا؟ لم يحْكُمْ بشَهادَتِه (¬2)؛ إذِ الغالِبُ في النَّاسِ عدَمُ العَدالةِ، وقولُ مَن قال: الأصْلُ في النّاسِ العَدالةُ. كَلام مُسْتَدْرَك، بلِ العَدالةُ حادِثَة تتَجَدَّدُ، والأصْلُ عدَمُها، فإنَّ خِلافَ العَدالةِ مُسْتَنَدُه جَهْلُ الإنْسانِ وظُلْمُه، والإنْسانُ جَهُول ظَلُوم، فالمُؤمِنُ يَكْمُلُ بالعِلْمِ والعَدالةِ، وهما جِماعُ الخَيرِ، وغيرُه يَبْقَى على الأصْلِ. وقال بعْضُهم: العَدالةُ والفِسْقُ مَبْنِيَّان على قَهُولِ شَهادَتِه، فإنْ قُلْنا: تُقْبَلُ شَهادَةُ مَسْتُورِ (¬3) الحالِ. فالأصْلُ فيه العَدالةُ، ؤإنْ قُلْنا: لا تُقْبَلُ. فالأصْلُ فيه الفِسقُ. قلتُ: الذي يَظْهَرُ أن المُسْلِمَ ليسَ الأصْلُ فيه الفِسْقَ، لأن الفِسْقَ قَطْعًا يَطْرأ، والعَدالةُ أيضًا -ظاهِرًا وباطِنًا- تَطْرأ، لكِن الظَّنَّ في المُسْلِمِ العَدالةَ أوْلَى مِن الظَّنِّ به الفِسْقَ. وممَّا يُسْتَأنَسُ به -على القَوْلِ بأنَّ الأصْلَ في المُسْلِمِ العَدالةُ- قوْلُه عليه أفْضَلُ الصِّلاةِ والسّلام: «ما مِنْ مَوْلُود يُولَدُ إلَّا على الفِطْرَةِ، فأبَواهُ يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرَانِه أو يُمَجِّسانِه» (¬4).
¬_________
(¬1) سورة الأحزاب 72.
(¬2) في الأصل: «بشهادة».
(¬3) في الأصل، ا: «مستوري».
(¬4) تقدم تخريجه في 10/ 94.

الصفحة 486