كتاب الشرح الكبير على المقنع ت التركي (اسم الجزء: 30)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِحَلِفِه كاذِبًا، وفى ذَهابِ مالِه أجْرٌ. وليس هذا تَضْييعًا للمالِ، فإنَّ أخاه المُسلمَ يَنْتَفِعُ به في الدُّنْيا ويَغْرَمُه له في الآخِرَةِ. وأَمَّا عمرُ، فإنَّه خافَ الاسْتِنانَ به، وتَركَ الناسِ الحَلِفَ على حُقوقِهم، فيدُلُ على أنَّه لولا ذلك، لمَا حَلَف. قال شيْخُنا (¬1): وهذا أوْلَى. واللَّه تعالى أعلمُ.
فصل: والحَلِف الكَذِبُ لِيَقْتَطِعَ به مالَ أخِيه، فيه إثْمٌ كبير. وقِيلَ: إنَّه مِن الكبائرِ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى وَعَدَ عليه العذابَ الأليِمَ، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِى الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2). ورَوَى ابنُ مسعودٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْر (¬3)، يَقْتَطِعُ بِها مَالَ امرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيها فَاجِرٌ، لَقِىَ اللَّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». مُتَّفَقٌ عليه (¬4). وقد رُوِى في حديثٍ أنَّ يَمِينَ الغَمُوسِ تَدَعُ الدِّيارَ بَلاقِعَ (¬5).
فصل: ومَن ادُّعِىَ عليه دَيْن وهو مُعسِر به، لم يَحِلَّ له أن يَحلِفَ
¬_________
(¬1) في: المغنى 14/ 231.
(¬2) سورة آل عمران 77.
(¬3) يمين صبر، أو يمينٍ صبر. الصبر: الحبس. والمراد إلزام الحاكم بها.
(¬4) تقدم تخريجه في 27/ 427.
(¬5) بلفظ: «واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع». أخرجه البيهقى، في: السنن الكبرى 10/ 35، من حديث أبى هريرة.
وعنه أيضا بلفظ: «واليمين الغموس تذهب المال، وتثقل في الرحم، وتذر الديار بلاقع». أخرجه الطبرانى في الأوسط. كما قال الهيثمى في مجمع الزوائد 4/ 180، 8/ 152. =
الصفحة 136