كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ت التركي (اسم الجزء: 30)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخَلَلٌ فى المَقْصودِ. وقيل: يتَأَدَّى به فى الفَتْوَى، لا فى إحْياءِ العُلومِ التى تُسْتَمَدُّ منها الفَتْوَى؛ لأنَّه قد قامَ فى فَتْواه مَقامَ إمامٍ مُطْلَقٍ، فهو يُؤَدِّى عنه ما كان يتَأدَّى به الفَرْضُ حينَ كان حيًّا قائمًا بالفَرْضِ منها. وهذا على الصَّحيحِ فى جَوازِ تقْليدِ المَيِّتِ. ثم قد يُوجَدُ مِنَ المُجْتَهِدِ المُقَيَّدِ اسْتِقْلالٌ بالاجْتِهادِ والفَتْوَى فى مَسْألَةٍ خاصَّةِ، أو بابٍ خاصٍّ، ويجوزُ له أَنْ يُفْتِىَ فيما لم يَجِدْه مِن أحْكامِ الوَقائعِ منْصُوصًا عليه عن إمامِه، لِمَا يُخَرِّجُه على مذهبِه. وعلى هذا العَمَلُ، وهو أصحُّ. فالمُجْتَهِدُ فى مذهبِ الإِمامِ أحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ تعالَى عنه، مثلًا، إذا أحاطَ بقَواعِدِ مذهبِه، وتدَرَّبَ فى مَقايِيسِه وتصَرُّفاتِه، يُنَزَّلُ مِنَ الإلْحاقِ بمَنْصُوصاتِه وقَواعِدِ مذهبِه، مَنْزِلَةَ المُجْتَهِدِ المُسْتَقِلِّ فى إلْحاقِه ما لم يَنُصَّ عليه الشَّارِعُ بما نصَّ عليه. وهذا أقْدَرُ على ذا مِن ذاك على ذاك؛ فإنَّه يجدُ فى مذهبِ إمامِه قَواعِدَ مُمَهَّدَةً، وضَوابِطَ مُهَذَّبَةً، ما لا يجِدُه المُسْتَقِلُّ فى أُصولِ الشَّارِعِ ونُصوصِه. وقد سُئل الإِمامُ أحمدُ، رَضِىَ اللَّه تُعالَى عنه، عمّن يُفْتِى بالحديثِ، هل له ذلك، إذا حَفِظَ أرْبَعَمِائَةِ ألْفِ حديثٍ؟ فقال: أرْجُو. فقِيلَ لأبى إسْحَاقَ ابنِ شَاقْلَا: فأنْتَ تُفْتِى، ولستَ تَحْفَظُ هذا القَدْرَ؟ فقال: لكِنِّى أُفْتِى بقَوْل مَنْ يحْفَظُ ألْفَ ألْفِ حديثٍ. يعْنِى الإمامَ أحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ تعالَى عنه. ثمَّ إنَّ المُسْتَفتِىَ فيما يُفْتِيه (¬1) به مِن تخْرِيجِه هذا، مُقَلِّدٌ لإمامِه، لا له. وقيل: ما يُخَرِّجه أصْحابُ الإِمامِ على مذهبِه، هل يجوزُ أن ينْسِبُوه إليه، وأنَّه مذهبُه؟ فيه لَنا ولغيرِنا خِلافٌ وتفْصِيلٌ. والحاصِلُ، أنَّ المُجْتَهِدَ فى مذهبِ إمامِه، هو الذى يَتَمَكَّنُ مِن التَّفْريعِ
¬_________
(¬1) فى أ: «يفتى».

الصفحة 386