كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ت التركي (اسم الجزء: 30)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيما خالفَ نظِيرَه على ما يُوافِقُه، اسْتِمْرارًا لقاعِدَةِ تعْليلِه، وسَعْيًا فى تصْحيحِ تأْوِيلِه، وصارَ كلٌّ منهم يَنْقُلُ عنِ الإمام ما سَمِعَه، أو بَلَغَه عنه، مِن غيرِ ذِكْرِ سَبَبٍ ولا تاريخٍ؛ فإنَّ العِلْمَ بذلك قرينَةٌ فى إفادَةِ مُرادِه مِن ذلك اللَّفْظِ (¬1)، كما سَبَق، فيَكْثُرُ لذلك الخَبْطُ؛ لأَنَّ الآتِىَ بعدَه يجدُ عنِ الإمام اخْتِلافَ أقْوالٍ، واخْتِلالَ أحْوالٍ، فيتَعَذَّرُ عليه نِسْبَةُ أحدِهما إليه على أنَّه مذهبٌ له، يجبُ على مُقَلِّدِه المَصِيرُ إليه، دُونَ بَقِيَّةِ أقَاوِيلِه، إنْ كان النَّاظِرُ مُجْتَهِدًا. وأمَّا إِنْ كان مُقَلِّدًا، فغَرَضُه معْرِفَةُ مذهبِ إمامِه بالنَّقْلِ عنه، ولا يحْصلُ غرَضُه مِن جِهَةِ نفْسِه؛ لأنَّه لا يُحْسِنُ الجَمْعَ، ولا يَعْلَمُ التَّاريخَ؛ لعدَمِ ذِكْرِه، ولا التَّرْجِيحَ عندَ التَّعارُضِ بينَهما؛ لتَعَذُّره منه. وهذا المَحْذورُ إنَّما لَزِمَ مِنَ الإخْلالِ بما ذكَرْنا، فيَكونُ مَحْذُورًا. ولقد اسْتَمَرَّ كثيرٌ مِن المُصنِّفِينَ، والحاكِينَ (¬2) على قوْلِهم: مذهبُ فُلانٍ كذا. و: مذهبُ فُلانٍ كذا. فإنْ أرادُوا بذلك أنَّه (¬3) نُقِلَ عنه فقط، فلِمَ يُفْتُونَ به فى وَقْتٍ ما على أنَّه مذهبُ الإِمامِ؟ وإنْ أرادُوا أنَّه المُعَوَّلُ عليه عندَه، ويَمْتَنِعُ المَصِيرُ إلى غيرِه للمُقَلِّدِ، فلا يخْلُو حِينَئَذٍ؛ إمَّا أَنْ يكونَ التَّارِيخُ معْلومًا أو مجْهولًا؛ فإنْ كان معْلومًا، فلا يخْلُو؛ إمَّا أَنْ يكونَ مذهبُ إمامِه أنَّ القَوْلَ الأخيرَ يَنْسَخُ (¬4) إذا تَناقَضَا، كالأخْبارِ، أو ليس مذهَبُه كذلك، بل يَرَى عَدَمَ نَسْخِ الأَوَّلِ بالثَّانى، أو لم يُنْقَلْ عنه شئٌ مِن ذلك؛ فإنْ كان مذهبُه اعْتِقادَ
¬_________
(¬1) فى الأصل: «باللفظ».
(¬2) فى الأصل: «الحاكمين».
(¬3) سقط من: الأصل.
(¬4) بعده فى أ: «بالأول».

الصفحة 392