كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

وكان يسعدُ ويغتبطُ أشدَّ السَّعادة والاغتباط -ولا يزال- عندما يتشرَّف بخدمة أساتذته وشيوخه حُبًّا وكرامةً، فكثيرا ما كان يهديهم المطبوعات المغارببة، ومن جملتها كتاب "العواصم من القواصم" في طبعته الجزائرية، مما اضطرَّه للتوسُّع في البحث والاستقصاء عن مؤلَّفات ابن العربي، حتى يكون كلامه مع أساتذته كلام البصير العارف بمطبوعات بلاده.
وهكذا وجدَ صاحبُنا نفسه يُقبل على مطالعة تراث أبي بكر بن العربي وُيحِيطُ به خُبْرًا، ويستكشفُ معالم فِكرِه، ويتعرَّف على مُجمَل مصنَّفاته، وكان أوّل ما نصحه أستاذه سَيِّد أحمد صقر بقراءته، "العواصم من القواصم" (¬1)، في مطبوعاته الثلاث، طبعة الشيخ عبد الحميد بن باديس، والقسم الأخير الذي طبعه الأستاذ محب الدين الخطيب، وطبعة الأستاذ عمار طالبي، ولا أكتمك أخي القارئ أن صاحبنا استثقل وكَرِه الرُّجوعَ في كلّ فقرة إلى مختلف الطّبعَات، واعتَبَره آنذاك -بجهله وغَرَارَتِه- نوعا من أنواع الضياع، ضياع الوقت والجهد، ولكن ما إن قرأ الصفحات الأولى من الكتاب، حتى تَبيَّنَ له أن الأمر ليس عَفْوا صَفْوا، بل محفوفٌ بكثيرٍ من المخاطر والمزالِق، فقد صَعُبَ
¬__________
(¬1) علم صاحبنا فيما بعد سِرَّ اختيار أستاذه سيَّد أحمد صقر لهذا الكتاب، والَّذي وافقه فيه شيخه سليمان دُنيا، فكتاب العواصم يمثِّلُ الذّروة الّتي وصل إليها ابن العربي في نضجه الفكري، فهو يحتوي على صورة متكاملة لتفكيره واختياراته العَقَدَيَّة والمذهبيّة، كما أن طبعاته تصلح أن تكون نموذجا تطبيقيا للتّدَرُّب على قراءة النّصوص والموازنة بين القراءات وحسن اختيار الراجح منها دون المرجوح، وهذا سيفتح لصاحبنا -فيما بعد- آفاقا رحبة ومجالات واسعة في التعامل مع إرثنا الإِسلامي المخطوط منه والمطبوع.

الصفحة 30