كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

ذلك الموضع كما فعلَ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لأنّه موضعٌ مذمومٌ معلومٌ، كما رُوي عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنّه قال: نَهَى رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - عن الصّلاة بأرضِ بَابِل لأنّها ملعونة (¬1)، ورُوي عنه أنّه أتى أرضَ ثمود فأسرع في الوادى (¬2) وقال: "هذا وادٍ ملعون" (¬3). ورُوِي عنه صلّى الله عليه أنّه أَمَرَ بالعجين الّذي عُجِنَ بماءِ ذلك الوادي أنّ يُطْرَحَ فطرحَ (¬4). وقال: "لا تدخلُوا على هؤلاء المعذَّبينَ، إلَّا أنّ تكونُوا بَاكِينَ، أنّ يُصِيبَكُم مثلُ مَا أصَابَهُم" (¬5)، وخَمَّرَ رأسَهُ وأسرع السَّيرَ (¬6). فلا تجوزُ الصّلاةُ في ذلك الوادي، وذلك الوادي مخصوصٌ.
قال الإمام الحافظ (¬7): وهذا الكلامُ فيه نظرٌ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَت لِي الأرضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" (¬8). فقيل: إنَّه منسوخٌ بهذا، وقيل: إنّ هذا لا يجوزُ فيه النّسخ؛ لأنّه من فضائله، وما خَصَّ اللهُ به نبيِّه - صلّى الله عليه وسلم - فلا يجوزُ عليه النّسخُ ولا التبديلُ ولا النّقْصُ.
وأمّا قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "وَأَمَرَ بِلاَلًا أنّ يُؤَذِّن أو يُقِيمَ" فهكذا رواه مالكٌ على الشَّكِّ، وقد مَضَى القولُ فيه.
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود (490) مرفوعًا عن عليّ، ومن طريقه البيهقي: 2/ 451، قال ابن عبد البرّ في التمهيد: 2/ 223 "هذا إسناد ضعيف، وهو مع هذا منقطع غير متّصل بعليّ، وعمار والحجّاج ويحيى مجهولون لا يعرفون بغير هذا، وابن لهيعة ويحيى بن أزهر ضعيفان لا يحتجّ بهما ولا بمثلهما".
(¬2) وهو المسمى بضَرَوان، انظر معجم البلدان: 3/ 456.
(¬3) أخرجه ابن الجعد في مسنده (3142) ومن طريقه الذهبي في سير أعلام النبلاء: 7/ 287، من حديث أبي الأشهب عن أبي نضرة. وقد أورده ابن عبد البرّ في الاستذكار: 1/ 121 (ط. القاهرة).
(¬4) أخرجه الطبراني في الكبير (13654)، والأوسط (4565) من حديث عبد الله بن عمر وأورده ابن عبد البرّ في التمهيد: 13/ 145.
(¬5) أخرجه البخاري (433)، وسلم (2980) من حديث عبد الله بن عمر.
(¬6) لم نعثر على هذه الزيادة.
(¬7) الفقرتان التاليتان مقبستان بتصرّف من الاستذكار: 1/ 122 - 124.
(¬8) أخرجه البخاري (438)، ومسلم (521) من حديث جابر.

الصفحة 440