كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

سفلِ، إلى أسفل سافلين، في شقاءٍ وعذابٍ إلى يوم الدِّين، نعوذُ بالله من ذلك الشَّقاء وسوء ما سبقت به المقادير.

فصل في الكلام في النَّفس
وقول (¬1) بلال - رضي الله عنه -: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ" يعني من النّوم، فذلك ضربٌ من الاحتجاج لطيفٌ، كأنّه يقول: إذا كنت أنت في منزلتك من الله قد غَلَبَتْكَ عينك وقُبِضَت نفسك، فأنا أَحْرَى بذلك.
ودخلَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - على عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وفاطمة وهما نائمان؛ فقال: "ألا تُصَلُّونَ؟ " فقال عليّ: يا رسولَ الله، إنَّما أنْفُسُنَا بيَدِ الله، فإذا أراد أنّ يبعثَنَا بَعَثنَا، فانصرت رسولُ الله وهو يقول: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (¬2) هذا مطابقٌ لقول بلال -رضي الله عنه -.
فإن قيل: فما معنى النَّفس عندكم؟ وما المفهوم من إطلاقه في مُوجبِ اللِّسان؟ الجواب عن ذلك- قيل: هذه لفظةٌ مُشْتَركَةٌ عن عينِ الشَّيء ونَفْسِهِ وذَاتِهِ، من قولهم: هذا مالُ زيدٍ نفسُه وذاتُه وعينُه. وقيل: هو مأخوذ من النفس، وهو ظهورُ الشّيء؛ ولهذا يقولون في المرأة: نُفَسَاء، لظُهورِ دَمِها (¬3).
تلفيق (¬4):
قال الأستاذ أبو المظفر الإسفرايينيُّ: قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الآية (¬5). فأخبرَ تعالى أنّه يتوفّاها في الموضعين، وقال تعالى في مَوْضِعٍ آخر: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
¬__________
(¬1) من هنا إلى آخر الحديث الشريف مقتبس من الاستذكرار: 1/ 108 (ط. القاهرة).
(¬2) الكهف: 54، والحديث أخرجه البخاري (1127)، ومسلم (775).
(¬3) توسع المؤلِّف في هذا الموضوع في كتابه الماتع الامد الأقصى: لوحة 17/ ب -18/ أ.
(¬4) انظره في القبس: 1/ 105 - 106.
(¬5) الزّمر: 42.

الصفحة 449