كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

أقدامٍ إلى أربعةِ أقدامٍ. وفي الشِّتاءِ من خَمْسَةِ اقدامٍ إلى سِتَّةِ أقدام. وذلكَ بعد طَرْحِ ظِلِّ الزَّوالِ (¬1). أمّا إنَّه قد ورَدَت فيه إشارةٌ واحدةٌ، وهوَ الحديثُ: "كُنَّا نُصَلِّي الجمعةَ وليس للحِيطَانِ ظِلٌّ" (¬2) فلعلَّ الإبرادَ كان وَقْتَ ما يكونُ للجدارِ ظِلٌّ يأوي إليه المُجْتَازُ، وهو وقتٌ يختصُّ بالجماعةِ. فأمّا الفَذُّ فليس له إلَّا وقتٌ واحدٌ، وهو (¬3) يختصُّ بصلاةِ الهاجِرَةِ ليس للعصر فيه حظٌّ، فلا يُلْتَفَتُ إلى ما اختلَفَ فيه ابنُ القاسِم وأَشْهَبُ بأنّ مع العصر ابرادٌ. فأمّا (¬4) ابنُ القاسم فَحَكَى عن مالكٌ (¬5)؛ أنّها تُصَلَّى إذا فَاءَ الفيءُ ذراعًا، في الشَّتاءِ والصَّيفِ، للجماعة والمُنْفرِدِ، وهذا على كتابِ عمر (¬6).
وقال أَشْهَبُ وابنُ عبدِ الْحَكَمِ (¬7): إنّ معنى كتَاب عمر هو لسائرِ الجماعاتِ، وأمّا الفَذُّ، فأوَّلُ الوَقْتِ أَوْلَى به، وهو في سَعَةِ الوقتِ كلِّه، وإلى هذا مالَ فقهاءُ المالكيّةِ من البغداديِّين (¬8).
قال الإمام القاضي أبو الوليد الباجي (¬9) - رضي الله عنه -: "فإذا ثبتَ هذا، فهل يُبْرَدَ بصلاة العصر أم لا؟ فعلى قولين:
القولُ الأوَّل - قال أَشْهَبُ: أحبُّ إليَّ أنّ يزيدَ المصلِّي ذِرَاعًا على القَامَةِ، ولا سِيَّمَا في الحرِّ (¬10).
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود (400)، والنّسائي في الكبرى (1492)، والطبراني في الكبير (10204)، والحاكم: 1/ 315 (ط. عطا) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم"، والبيهقي: 1/ 365 وابن عبد البرّ في التمهيد: 5/ 7.
(¬2) أخرجه البخاري (4168)، ومسلم (860) من حديث سلمة بن الأكوع.
(¬3) أي الظهر.
(¬4) من هنا إلى آخر الفقرة الثانية مقبس من الاستذكار: 1/ 27 (ط. القاهرة)، وانظر التمهيد؛ 5/ 3
(¬5) في المدونة: 1/ 60 في ما جاء في وقت الصّلاة.
(¬6) كتاب عمر أخرجه - كما أسلفنا - مالكٌ في الموطأ (6) رواية يحيى.
(¬7) الّذي في الاستذكار: " وقال ابن عبد الحكم وغيره من أصحابنا ... ".
(¬8) انظر التفريع: 1/ 220، والمعونة: 1/ 78.
(¬9) في المنتقى: 1/ 32.
(¬10) ووجه هذا القول. كما قال الباجي: أنّ هذه صلاة رباعية من صلوات النّهار، فثبت فيها الإبراد وانتظار الجمعة كالظهر.

الصفحة 452