كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

الفائدة الثّانية:
قال الشّيخ أبو عمر (¬1) - رضي الله عنه -: "الإبرادُ بالصّلاة هو تأخيرُها عن أوَّلِ وَقْتِها، حتّى يزولَ سَمُومُ الشّمسِ بالهاجرةِ؛ لأنّ الوقتَ فيه سَعَة.
وقد اختلَفَ العلماءُ في هذا المعنَى، فالمحصولُ من مذهبِ مالكٍ (¬2)، أنّ يُبْرَد بالظُّهر وَتُؤَخَّرَ في شِدْةِ الحَرِّ، وسائرُ الصّلواتِ تُصَلَّى في أوَّل الوقتِ.
قال أبو الفَرَجِ: اختارَ مالكٌ لجميعِ الصّلواتِ أوَّلَ أوقاتِها، إلَّا الظُّهرَ في شدَّةِ الحَرِّ؛ لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "إذا اشتَدَّ الحَرُّ فأَبردُوا عن الصّلاةِ":

الفصلُ الثّاني في حظِّ الأصول
قولُه (¬3): "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا" في هذا الفصل فوائد:
الفائدة الأولى:
في هذا الحديث دليلٌ بأنّ النَّارَ مخلوقةٌ (¬4)، ردًّا على من قال: إنّها لم تُخْلَق وإنّما تُخْلقُ وقتَ الحاجةِ إليها.
الفائدة الثانية (¬5):
قولُه: "اشتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّها" اختلف النَّاسُ ههنا، هل هي هذه الشَّكْوَى حقيقةٌ بكلامٍ؟ أم هي مجازٌ عَبَّرَ فيها بلسانِ الحالِ عن لسانِ المقالِ، كما قال الرّاجزُ (¬6):
يَشْكُو إِلَىَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى
¬__________
(¬1) في الاستذكار: 1/ 127 (ط. القاهرة) بتصرف من ابن العربي.
(¬2) كما الّذي في الاستذكار: " ... المعنى، فذكر إسماعيل بن إسحاق، وأبو الفرج عمرو بن محمَّد؛ أنّ مذهب مالكٌ ... ".
(¬3) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطأ (27) رواية يحيى.
(¬4) وإلى مثل هذا الاستنباط أشار ابن عبد البرّ في التمهيد: 3/ 8، والاستذكار: 1/ 133 (ط. القاهرة).
(¬5) انظرها في القبس: 1/ 108 - 109.
(¬6) أورده سيبويه بلا نسبة في الكتاب: 1/ 321، ونسبه ابن السَّيرافي في شرح أبيات سيبوبه: 1/ 317 إلى المُلبِد بن حرملة.

الصفحة 454