فإن قيل: إنّه قد رُوِيَ في حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ؛ أنّه قال: نَهى رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - عنِ الصَّلاةِ بعدَ الزَّوالِ إلَّا يومَ الجُمعةِ (¬1).
قلنا: هذا حديثٌ باطلٌ، والعمدةُ فيه ما قدّمناهُ من قول من قال: إنَّ الفعلَ مختصٌّ بالنَّبيِّ لا يتعدّاه إلى غيره إلَّا بدليلِ، فَبَقِيَ النَّهيُ على حالِهِ، وبَقِيَ فِعْلُ النَّبِيِّ مختصًّا بحالِهِ وبِصِفَتِهِ، وَيعتَضِدُ ذلك بضَرْبِ عمرَ بن الخطّاب - رضي الله عنه -عليها النّاس (¬2)، ولو كان ذلك من شرائعِ الدِّينِ ما ضَرَبَ عمرُ، ولا أَقَرَّتْهُ الصّحابةُ على ذلك.
وأمّا حديثُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - الّذي فيه: "لا تَمْنَعُوا أحَدًا طافَ بهذا البيتِ أنّ يُصَلِّيَ أَيَّةَ ساعةٍ شاءَ من لَيلٍ أو نَهَارٍ" (¬3) فإنّه عامٌّ يَخُصُّهُ ما تقدَّمَ من الأحاديثِ.
وأمّا ما قاله الدَّارقطنيُّ: "إلَّا بمَكَّةَ" فإنّه لا يَصِحُّ، فلا يُشتَغَلُ بِهِ.
نكتةٌ أصوليّةٌ (¬4):
قال الإمام الحافظ - رضي الله عنه -: لا خلافَ بين المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ من العلماء أنّ العامَّ والخاصَّ إذا تَنَافَيَا فإنّهما يتعارضَانِ، كقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬5) فإنّه أمرٌ بالقتلِ، وكقوله: إنّه نَهَى عن قتل النِّساءِ والصِّبيَانِ (¬6). وذلك منعٌ من القتلِ، مُخرِجٌ للمرأةِ عن قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬7) بنَصِّ عن نَصِّ، ومُخرِجٌ لقتل الصِّبيان (¬8) عن قتل المشركين بظاهرٍ عن نصِّ.
¬__________
(¬1) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار من طريق أبي نضرة العبدي 2/ 278 (1326).
(¬2) أخرجه البخاري (1233)، ومسلم (834) من حديث كُرَيب مَولى ابن عبّاس.
(¬3) سبق تخريجه.
(¬4) انظرها في القبس: 2/ 428.
(¬5) التوبة: 5، وانظر أحكام القرآن: 1/ 901.
(¬6) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (1291) رواية يحيى.
(¬7) التوبة: 5، وانظر أحكام القرآن: 1/ 901.
(¬8) في القبس: "ومخرج لقتل".