المأخذ الثالث في الفوائد المنثورة في هذا الحديث
وهي تسع فوائد:
الفائدة الأوُلى (¬1):
قوله: "مَنْ أَكَلَ من هذه الشَّجَرَةِ" قال علماؤنا (¬2): هذا الكلام منه - صلّى الله عليه وسلم - لا يقتضي إباحةً ولا حَظرًا، وقد رُوِيَ مثل ذلك في الحَظرِ، كقوله: "مَنْ غَشَّنا فَلَيسَ مِنَّا" (¬3)، ومِثلُه في الإباحة كقوله: "مَنْ دخلَ دارَ أبي سفيان فهو آمِنٌ" (¬4) وإنّما ذلك شرطٌ يتنوّعُ جوابُه (¬5).
الفائدة الثّانية (¬6):
قوله: "فلا يَقْرَب مساجدَنا" مَنع لمن أكلَ هذه الشّجرة، وقد بيَّنَ ذلك بقوله: "يُؤذِينَا بريحِ الثُّومِ".
وقال بعضُ العلماءِ: إنّما خرجَ النَّهْيُ من النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - على مسجدِه من أجلِ جبريلَ ونزوله فيه على النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -.
وقال آخَرونَ -وهم الأكثرونَ -: إنّ مسجدَ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - وسائرَ المساجدِ في ذلك سواءٌ، وملائكة الوحيِ وغيرها في ذلك سواء؛ لأنّه قد أخبرَ أنّه يتأذَّى منه ابن آدم.
الفائدة الثّالثة (¬7):
في هذا الحديث من الفقه: إباحة أكل الثُّوم. لأنّ قولَه: "مَنْ أَكَلَ" لفظ إباحة لغيره؛ لأنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - إنَّما مُنِعَ من أكل الثّوم والبصل والكُرَّاثِ لعلَّةٍ ليست موجودة في غيره، فصارَ ذلك خصوصًا له.
¬__________
(¬1) هذه الفائدة مقتبسة من المنتقى: 1/ 32 بتصرف يسير.
(¬2) المقصود هو الإمام الباجي.
(¬3) رواه مسلم (101) من حديث أبي هريرة.
(¬4) أخرجه مسلم (1780) من حديث أبي هريرة مطوّلًا.
(¬5) الّذي في المنتقى: "وإنّما ذلك شرطٌ بتنوّع معناه بتنوع جوابه".
(¬6) ما عدا الفقرة الأولى مقتبس من التمهيد: 6/ 414.
(¬7) أغلب ما في هذه الفائدة مستفادٌ من الاستذكار: 1/ 152 - 153.