كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

وفي حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ؛ أنّه قال: "كُلُوهُ، وَمَق أَكَلَهُ فَلاَ يَقرَب المسجدَ" (¬1) فيه دليلٌ على إباحةِ أكلِها, لا على تحريمِها كما زَعَمَ ابن حزم (¬2) وأهلُ الظّاهرِ الذين يُوجِبُونَ إتيانَ المسجد للجماعة ويرونَ ذلك فَرضًا، ويمنعون من أكل الثُّوم والبصلِ؛ لأنّ من أَكَلَهُ لا يقرب المسجد لصلاة الجماعةِ عندَهُم بوجهٍ ولا على حالٍ.
الفائدة الرابعة (¬3):
في هذا الحديث دليلٌ على أنّ صلاة الجماعةَ ليست بفريضةٍ، خلافًا لأهل الظّاهر الّذين يُوجِبُونَها، ويحرِّمون أكلَ الثُّومِ من أجلِ شهودِها، وقد أكلَ الثُّومَ جماعةٌ من السَّلَفِ (¬4).
فإن قيل (¬5): لا يَمتَنِعُ أنّ يُسقِطَ المباحُ الفَرْضَ، كالسَّفَرِ يُسْقِطُ الصّومَ وشَطرَ الصّلاةِ.
الجوابُ- قلنا: السَّفَرُ لم يُسقِطُ الصّومَ والصّلاةَ، وإنّما نَقلَها إلى بَدَلٍ، بخلافِ أكل الثُّوم فإنَّه يُسقِطُ الجماعةَ، فدلَّ على أنّها ليست بفَرْضٍ.
الفائدة الخامسة (¬6):
فيه دليلٌ على أنّ الْخُضَر كانت عندَهُم بالمدينةِ. وفي إجماعِ أهلِهَا على أنّه لا زكاةَ فيها، دليلٌ على أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - لم يأخذ منها الزّكاة، ولو أخذَها لم يَخفَ عليهم، ولنُقِلَ ذلك عنهم.
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود (3823)، وابن حبان (2085)، وابن خزيمة (1669)، وابن عبد البرّ في التمهيد: 6/ 418 من طريق أبي داود.
(¬2) في المحلّى: 4/ 48 - 49.
(¬3) الفقرة الأولى من هذه الفائدة مقتبسةٌ من شرح البخاري لابن بطّال: 2/ 466.
(¬4) انظر التمهيد: 6/ 420 - 424.
(¬5) انظر هذا الاعتراض وجوابه في العارضة: 7/ 315، والقبس: 2/ 340 (ط. هجر).
(¬6) هذه الفائدة مقتبسة من شرح ابن بطّال: 2/ 466 - 467.

الصفحة 477