كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

فمحن، وجرى في أعراض الإمارة فلحن. وأصبح تتحرك بآثاره الألسنة: ويأتي كما أجراه عليه القَدَر اليوم والسَّنَة، وما أراد إلّا خيرا. نصب الشيطان [وفي سير النُّبَلاء: السلطان] عليه شباكه، وسكن الإدبار حَرَكَه، فأبداه للناس على صورة تُذَمُّ، وسوأة تبلى [في سير النُّبَلاء: سورة تتلى] لكونه تعلَّق بأذيال الملك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السّلاطين وحزبهم، [وفي سير النُّبَلاء وخربهم] بل داهن، ثم انتقل إلى قرطبة معظَّمًا مُكرّمًا، حتّى حول إلى العُدْوة فقضى نحبه".
ولانستطيع حمل ما في النّصِّ على التّعظيم والتقريظ، إلّا أن يكون شمس الدِّين الذّهبي قد قرأ التّرجمة كاملة، فاستفاد من جزئها الأوّل ما يفيد التعظيم والتقريظ، وتجازوه، ونقل هذا الجزء الملئ بالإشارات والتلميحات الموحية، والّتي تُصَوِّر لنا أبا بكر ابن العربّي يجري لاهثا وراء الظُّهور والسُّلطة، فتتناوله الألسنة: باللَّوم، وينصب عليه السلطان أو الشيطان شباكه -والنّاس ضِعافٌ أمام السُّلطان والشّيطان، كما يملكان من التّرغيب والتّرهيب، وما يستندان عليه من هوى وضعف- فتكون نتيجة ذلك خسرانا مُبينا، إذ يصبح أبو بكر صورة تُذَمُّ؛ لأنّه داهَنَ في الحقِّ، في الوقت الّذي كان يتحتَّمُ عليه المجاهرة بالحقِّ، فتُسرع إليه السُّلطة تُنقذه بإبعاده إلى العدوة سترًا عليه، فيتولاّه الله الّذي يعلم السِّرَّ وأخفَى.
والَّذي يؤكِّد ما ذهبنا إليه من أنّ المقام مقام تجريح، أنّ الذّهبي يسوقُ بعد ذلك من "معجم ابن مَسْدِيّ" قصّة حديث المغفر الّتِى اتُّهِمَ فيها ابن العربيّ، حتىّ قال الشّاعر:

الصفحة 65