كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

ويقال: قد وَضُؤَ وجهُ الرَّجُل، أي حَسُنَ، يوضأ وضاءةً. والميضاة: المطهرة الّتي يتوضّأ فيها.
وقيل: الوُضوءُ بالضَّمّ: هو الاسم، وبالفتح المصدر.
وقيل: إنّهما شيءٌ واحدٌ.
قال الإمام الحافظ (¬1): والوُضوءُ يكونُ بخمسة أعضاء:
العُضوُ الأوَّل: الكفّان
وليس غَسلُهما مشروعًا لنفسه؛ وإنّما هو للتَّأَهُّبِ للوضوء، قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَيقَظَ أَحَدُكُمْ من نَوْمِه، فلا يَغمِسْ يَدَهُ في الإِنَاءِ حتّى يَغسِلَهَا ثلاثًا، فإنَّ أَحَدَكُم لا يدري أينَ باتَتْ يَدُهُ" (¬2) فأمر بغسلها استطهارًا. وقد كنّا نقول كما قال أحمد بن حنبل وإسحاق: إنّ غسلَهُما واجبٌ؛ إلا أنَّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - أعقب الأمر الأوَّلَ في الحديث بقوله: "فإنَّ أحدَكُم لا يدري أين باتَتْ يَدُهُ" فعلّله، والشّكُّ لا يُوجِبُ حُكْمًا في الدِّينِ. بَيدَ أنّه لَمَّا واظبَ عليها النّبىُّ - صلّى الله عليه وسلم - في جميع وضوئه، وبدأَ بها في كلِّ حالةٍ من أحواله، عدَّها العلماءُ من جملة الوضوءِ، وحَسَبُوهَا من جملة الأعضاء، اقتداءً بفعل النّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم - ومُحافظتَهُ عليها، حتّى قال علماؤنا: لو أنَّ رجلًا غسل يَدَيه ووَجْهَهُ، ثمَّ طرأَ عليه الحدَث في أثناء وضوئه، وجبَ عليه أنّ يَبْتَدِىءَ الوضوءَ، واستحبُّوا له أنّ يعود إلى غَسلِ يديه؛ لأنّهما من جُمْلَتِهِ.
شرح:
قال القاضي أبو الوليد الباجي (¬3): "اختلف العلماء (¬4) في صفة غَسْلِ اليدين على قولين: أحدُهما: رَوَى أشهب عن مالكٌ؛ أنّه استحبَّ أنّ يُفْرِغَ على يده اليمنَى فيغسلها، ثمّ يدخلها في إنائه، ثم يصبُّ على اليُسْرَى.
والرِّوايةُ الثّانية: رَوَى عيسى (¬5) عن ابن القاسم؛ أنّه قال: أحبّ إليَّ أنّ يفرغ على يديه، كما جاء في حديث عبد الله بن زيد هذا.
¬__________
(¬1) انظره في القبس: 1/ 118 - 124.
(¬2) أخرجه البخاري (162)، ومسلم (278) من حديث أبي هريرة.
(¬3) في المنتقى: 1/ 34.
(¬4) الّذي في المنتقى: "اختلف أصحاب مالكٌ".
(¬5) هو ابن دينار.

الصفحة 10