كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

وقيل: هذا خصوصٌ للنّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم -، ويدلُّ عليه حديث الْقَلِيب يوم بَدْر، فقال: "يا فلان ويا فلان، هل وَجَدْتُم ما وعَدَ ربّكُم حقًّا"، حتّى قال عمر: يا رسولَ الله، كيف تُكَلَّمُ أجسادًا لا أرواحَ فيها؟ فقال: "ما أنتم بأسْمَعَ منهم، غيرَ أنّهم لا يستطيعون أنّ يردّوها" (¬1).
وقال بعضُ العلماء: هذا خصوصٌ للنَّبىِّ صلّى الله عليه، وهذا يدلُّ على أنّ الأرواح هي المخاطَبَة، كما خاطب هنا أهل القبور لا الأجساد.
الفائدة الثّامنة:
في قوله -عليه السّلام- (¬2): "وددت أني قد رأيتُ إخواننا" قال (¬3): تمنَّى رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - ما لا يكونُ، والتَّمَنِّي هو تعلُّق الإرادة بما في المستقبَلِ، والأسفُ تعلُّق الإرادة بالماضي. والتَّمَنِّي لا يجوزُ إلّا في أمور الدَّين.
وقولُه (¬4): "وددتُ أني قد رأيتُ" الحديث، تَمَنٍّ منه، وقد علِمَ أنّه لا يراهم إلَّا بعد الموت، وقد قال -عليه السّلام-: "لا يَتَمَنَّينَ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ" (¬5) وإنّما معنى ذلك ألّا يتعلّق التَّمَنِّي بالموت، وقد بيَّنَّا ذلك وشرحناه في "كتاب التَّمَنِّي (¬6) ".
وفيه أيضًا: تشريفُ شَرَف هذه الأمَّة بتَمَنِّي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أنّ يراها، فنحن أوْلَى أنّ نكون لرؤيته أشدَّ تمنِّيًا وأكثر تَطَلُّعًا.
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم (2873) من حديث أنس.
(¬2) في حديث الموطَّأ (64) رواية يحيى.
(¬3) القائل هو ابن العربي، وانظر هذه الفقرة في القبس: 1/ 153.
(¬4) ما عدا الإحالة على كتاب التمني فالفقرة مقتبسة من المنتقى: 1/ 69.
(¬5) أخرجه البخاريّ (6351)، ومسلم (2680) من حديث أنس.
(¬6) علّق بعض قراء نسخة: م في الهامش فقال: "التمنِّي إنّ تعلّق بالموت مطابقة نهي عنه، وإلّا فلا".

الصفحة 101