الفائدة الخامسة عشر:
قوله (¬1): "فَأَقُولُ: ربِّ أصْحَابِي" إشارة منه إلى أنّه يأخذهم بالظّاهر، فيقال: "إنّهم قد بدَّلُوا بعْدَك، قال: "فأقولُ كمَا قالَ الْعَبْدُ الصّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} الآية (¬2) ". قال (¬3): "فَأَقُولُ: فَسُحْقَا فَسُحْقًا" أي: بُعْدًا بُعْدًا" (¬4).
تنبيه (¬5):
فإن قيل: وكيف يكون عليهم نُور الوضوء، ثمّ يقال لهم: فَسُحْقًا؟
قيل: فيه وجهان:
1 - أحدهما: أنّهم يُبعَدُون في حال ويقرَّبُونُ بعد المغفرة في آخر هذا، إذا كان التّبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد.
2 - وقيل: هم المنافقون كانوا يُظْهِرون الإيمانَ وُيسِرُّونَ الكُفْرَ، فيُؤتَى كلّ واحد منهم نورًا حتّى يَظُنَّ أنّه على شيءٍ، ثم يكشفُ له الغطاءُ في قوله: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} الآية (¬6)، وقولُه: "تُحْشَرُ هذه الأمّة وفيها منافقوها" (¬7).
وقيل: هم أهل الأهواء.
وقال القاضي أبو الوليد الباجي (¬8): "قيل في معنى ذلك: غيَّرُوا سنَّتك. ويحتمل أنّ يكون ذلك: من بدَّل بعدَهُ من أهل الرِّدَّة. ويحتمل أنّ يكون أهل عصره، أو مَنْ يأتي بعدَهُ إلى يوم القيامة.
¬__________
(¬1) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في الحديث الّذي رواه البخاريّ (3349، 3447، 4625، 4740)، ومسلم (2680) عن ابن عبّاس.
(¬2) المائدة: 117.
(¬3) في حديث الموطَّأ (64) رواية يحيى.
(¬4) انظر مشكلات موطَّأ مالك: 59.
(¬5) انظره في القبس: 1/ 154 - 155.
(¬6) الحديد: 13.
(¬7) لم نقف على من أخرجه.
(¬8) في المنتقى: 1/ 70.