كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

تنبيه على مقصد:
فإن قيل: فما الحكمةُ في أنّ الحسنات يُذهِبْنَ السَّيِّئات، ولا يذهبن السيئات الحسنات؟
الجواب- قيل: لأنّ النُّور يتعدَّى والظُّلمة لا تتعدَّى، والطَّاعة نورٌ والمعصية ظلمةٌ.
حديث مالكٌ (¬1)، عن زَيد بن أَسْلَم، عن عطاء بن يَسَارٍ، عن عبد الله الصُّنَابِحِىِّ؛ أنَّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضَّأَ العبدُ المؤمنُ، فتمَضْمَضَ، خرجتِ الخطايا مِنْ فِيهِ، وإذا استنثَر، خرجتِ الخطايا من أَنْفِهِ، فإذا غَسلَ وَجههُ خرجتِ الخطايا من وَجهِهِ ... " الحديث.
فيه فصلان:

الفصل الأوّل (¬2) في الإسناد
قال التّرمذيُّ (¬3): "سألتُ البخاريّ عن هذا الحديث فقال لي: وَهِمَ فيه مالك - رحمه الله - في قوله: عبد الله الصُّنابحىّ، وإنّما هو أبو عبد الله الصُّنابحىّ، واسمه عبد الرحمن بن عُسَيْلَة، ولم يسمع من النّبيِّ صلّى الله عليه شيئًا، والحديث مُرْسَلٌ".
قال أبو عمر (¬4): "وهو كمال قال البخاريّ" (¬5).

الفصل الثّاني (¬6) في الكلام على تكفير الذّنوب
استدلَّ بعضُ العلماء بحديث الصُّنابحىّ هذا أنّه لا يجوز الوضوء بالماء المستعمل، وقال: خروجُ الخطايا مع الماء يُوجِبُ التَّنَزُّه عنه، وسماه بعضهم ماءَ الذّنوب.
قال الإمام الحافظ: وهذا لا وَجْهَ له عندي؛ لأنّ الذّنوب لا أشخاص لها عندي تمازج الماء فتفسده، وإنّما معنى قوله: "خرجتِ الخطايا مع الماءِ" فهو إعلامٌ بأن الوضوء للصلاة عَمَلٌ يكفِّر الله به السَّيِّئات عن عباده المؤمنين رحمةً منه.
¬__________
(¬1) في الموطّأ (66) رواية يحيى. وانظر تعليق بشار عواد معروف ففيه فوائد.
(¬2) هذا الفصل مقتبس من الاستذكار: 1/ 249 (ط. القاهرة).
(¬3) في العلل الكبير: 21.
(¬4) في الاستذكار: 1/ 249 (ط. القاهرة)، وانظر التمهيد: 4/ 30.
(¬5) انظر التاريخ الأوسط للبخاري: 1/ 297 - 300، والتعريف بمن ذكر في الموطَّأ لابن الحذاء: 2/ 394.
(¬6) هذا الفصل مقتبس من الاستذكار: 1/ 252 - 254 (ط. القاهرة).

الصفحة 114