كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

قال الله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬1) واختلف العلماء هل يتناولُ هذا الأمرُ باطنَ الفَمِ والأنفِ أم لا (¬2)؟
وقد ذهب ابنُ حنبلٍ وإسحاق وغيرهما إلى وجوب ذلك.
وقال عامّةُ الفقهاء: لا يَجِبُ؛ لأنّ الأمر عندنا إنّما يتناول الظّاهر دون الباطن، والعرب لا تسمِّي وجهًا إلَّا ما وقعت به المواجهةُ، لكنّ النّبىَّ - صلّى الله عليه وسلم - واظبَ على المضمضة والاستنشاق، فكان ذلك مأخوذًا من فعله، وقد قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - للأعرابي: "تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللهُ" (¬3) فأحاله على القرآن.
واختلف العلماء في حدِّه؟ وأمّا صورته المطلقة فبيِّنَةٌ حقيقةً ولغةً (¬4)، بَيْدَ أنّه لاختلاف النَّظرِ فيه افتقر إلى بيانه، والله أعلم.
فهو للأمْرَدِ من الأُذُن إلى الأُذُن عَرْضًا (¬5)، ومن منبتِ شَعر الجبهة إلى طَرَفِ الذَّقنِ طُولًا، ولا خلافَ فيه.
وأمّا الملتحي، ففي رواية ابن وهب (¬6) عن مالكٌ أنّه مثله. وقال غيره: من العارض إلى العارض، وأسقط البياض الّذي بين العارض والأُذُن (¬7).
¬__________
(¬1) المائدة: 6، وانظر أحكام القرآن: 2/ 563.
(¬2) انظر العارضة: 1/ 46.
(¬3) أخرجه الطيالسي (1372)، وأحمد: 4/ 340، والدّارمي (1335)، وأبو داود (860)، والترمذي (302) وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه (460)، والنسائي: 2/ 20، وابن خزيمة (545) كلهم من حديث رِفَاعَة بن رافع.
(¬4) يقول المؤلِّف في أحكام القرآن: 2/ 562 "والوجه في اللغة: ما برز من بَدَنِهِ وواجَهَ به غيرَهُ به، وهو أبين من أنّ يبيّن، وأوجه من أنّ يوجّه"، وانظر شرح التلقين: 1/ 140.
(¬5) نصّ الباجي في المنتقى: 1/ 36 على أنّ هذا القول حكاه القاضي عبد الوهاب عن متأخِّري المالكية.
(¬6) في المبسوط، كما أشار إلى ذلك الباجي في المنتقى: 1/ 36.
(¬7) يقول ابن القصار في عيون الأدلة: 28/أ "والبياضُ الّذي بين شعر اللّحية والأذن ليس من الوجه، ولا يجب غسله معه في الوضوء ... والدليل لقولنا: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} والوجه عند العرب: ما وقعت المواجهة به، ولا تقع في غالب الحال بذلك الموضع. يبيّنُ ذلك: أنّ على المرأة المحرمة أنّ تكشف وجهها في الإحرام، ونحن نعلم أنّ القناع يُغَطِّي ذلك الموضع، ولا يكون عليها فيه فدية، ولو غطّت موضعًا من وجهها لكان فيه الفدية"، وانظر الواضحة: 166، وشرح التّلقين: 1/ 141، والمقدمات الممهدات: 1/ 76.

الصفحة 13