كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

الباب بجملة مسائل يعضدها القياس ويقبلها العقل.
وأما البناء في الرعَافِ فقال علماؤنا (¬1) - رضوان الله عليهم-: "لصحّة البناء في الرُّعَافِ أربعة شروط متَّفَقٌ عليها:
أحدُها: ألَّا يجد الماء في موضعٍ فيتجاوزه إلى غيره؛ لأنّه إن وجدَ الماءَ في موضع فتجاوزه إلى غيره بطلت باتِّفاقٍ.
الشرط الثّاني: ألَّا يطأ على نجاسة رطبةٍ؛ لأنّه إذا وطئ على نجاسة رطبة انتفضت صلاته باتِّفاق أيضًا.
الثّالث: ألَّا يسقط من الدَّم على جسده أو ثوبه ما لا يُغتَفَر لكثرته، وقد تقدَّم الكلام في حدِّه (¬2)؛ لأنّه إنّ سقط من الدَّمِ على ثوبه أو جسده كثيرٌ بطلت صلاته باتِّفاق منهم (4).
الرّابع: ألَّا يتكلّم جاهلًا أو متعمِّدًا؛ لأنّه إنّ تكلَّم جاهلًا أو متعمِّدًا بطلت صلاته باتِّفاقٍ.
فهذه أربعة شروط متَّفق عليها، وبقي شرطان مختلف فيهما:
أحدهما: أنّه لا يتكلّم ناسيًا؛ لأنّه قد اختُلِفَ إنّ تكلّم ناسيًا:
فقال ابنُ حبيب: لا يبنى؛ لأنّ السُّنَّة إنّما جاءت في بناء الرّاعف ممّا لم يتكلّم، ولم يخصّ في ذلك ناسيًا من متعمِّدٍ.
وحَكَى ابن سحنون (¬3) عن أبيه؛ أنّه يبني على صلاته ويسجد للسَّهو، إلَّا أنّ يكون الإمامُ لم يفرغ من صلاته فإنّه يحمله عنه.
¬__________
(¬1) المقصود هو ابن رشد في المقدمات الممهدات: 1/ 106 - 107.
(¬2) سبق لابن رشد أنّ تكلم في هذا الموضوع في المقدمات: 1/ 104.
(¬3) هو أبو عبد الله محمد بن سحنون (ت. 256) من كبار الحفّاظ. ألف كتبًا كثيرة. انظر ترتيب المدارك: 4/ 204، وتاريخ التراث العربي: 1/ 3/ 156، ودراسات في مصادر الفقه المالكي: 162.

الصفحة 158