كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

بابُ مَسْحِ جميعِ الرَّأْسِ كلِّه، قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} الآية (¬1).
قال (¬2): وقد مسح رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - رأسه في الإقبال والإدبار (¬3)، فبيَّنَ فعله - صلّى الله عليه وسلم - قولًا وفعلًا.
مزيد إيضاح:
فإن قيل: فما وجوبُ تعميمه؟
قلنا: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬4) فوجب غسل الجميع بظاهر القرآن، كذلك قال أيضًا: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (¬5) فوجب مسح الجميع بظاهر القرآن.
غاية وإيضاحُ مُشْكِلٍ:
فإن قيل: فما فائدة الباء ههنا؟
قلنا: للعلماء في ذلك جوابان:
أحدُهما أنّ نقول: فائدتُها ههنا فائدةُ قوله في التّيمُّم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} (¬6) فلو كان مقتضاها التّبعيضُ لأَفَادَتْهُ في هذا الموضعِ، وهذا قاطعٌ بهم في كلِّ جواب لهم.
فإن قيل: ما فائدتها؟ ولأي شيء جيء بها وهي مستغنى عنها، وقد قال بعضُ أصحاب الشّافعيّ - أظنُّه أبا إسحاق الإسفراييني-: إنْ الباء هي للتّبعيض وهو معنى ذلك في اللغة، وأنكر ذلك حُذَّاقُ أهل العربيّة واستجهلوا قائل ذلك، وقالوا: إنّ الباء لاتِّصال الفعل بالاسم حيث لا يتّصل إلّا به، كقولك: جئت بزيد، فالباء في الاتِّصالِ هاهنا أصلٌ، إذ لإيصالِ المعنى في الفعل إلى الاسم، كقولك: مررتُ بزيدِ، فإن حذفتها قلتَ: مررتُ زيدًا.
¬__________
(¬1) المائدة: 6.
(¬2) لعل القائل هنا هو ابن العربي.
(¬3) كما هو مروي في حديث الموطَّأ (32) رواية يحيي.
(¬4) المائدة: 6.
(¬5) المائدة: 6.
(¬6) النساء: 43.

الصفحة 19