كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

عمل بالحكم السّابق قبل بيان هذا الثّاني، أو قبل بلوغه إليه، فعملُه صحيحٌ وأَجرُهُ قائمٌ، وعلى هذا السبيل تكون السُّنَّة سَمحَة، ويكون الدِّين خاليًا عن الحرَجِ. وقد روى الدَّارقطنىُّ (¬1) عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: " إذا التَقَتِ المَوَاسِي فقد وَجَبَ الغُسلُ" فَبَيَّنَ بقوله: "إذا التَقَى الخِتَانَان" أوّل الفعل، وبَيَّنَ بقوله: "إِذَا التَقَتِ المَوَاسِي" آخر الفعل، وأوضح أنّ الحكمَ فيهما واحدٌ.
وقولُه (¬2) في الحديث؛ "إذا قَعَدَ بين شُعَبِهَا الأَربَعِ فَقَد وَجَبَ الغُسْلُ" (¬3) قال الهروي (¬4): "قيل: هي اليدان والرِّجلان. وقيل: بين رِجْلَيْها وشَفريْها".
إيضاح مشكل:
قوله: "إنَّمَا الماءُ مِنَ المَاءِ".
قال أبو عبد الله المازَرِيّ (¬5): "هذا الحديث يحتجُّ به من لا يُوجِبُ الغُسْلَ من التقاء الخِتَانَين، وإنّما الحُجَّةُ به من جهة دليل الخطّاب، وقد اختلفَ أهل الأصول (¬6) في القول به: فمن نفى دليل الخطّاب لم يكن عنده في الحديث حُجَّة. ومن أثبته صحَّ الانفصال بوجوه:
أحدها- أنّه قد قيل: إنّ ذلك كان في أوّل الإسلام ثم نُسِخَ.
والثّاني: أنّه قد يكون محمولًا على المنام أنّه لا يجب الاغتسال فيه إلَّا من الماء. وأمّا الحديث الّذي فيه أنّه خرج النَّبِيُّ - صلّى الله عليه وسلم - ورأسه يقطر ماءً، فقال له: لعلّنا أَعجَلنَاكَ (¬7). فإن لم يُحمَل على الوَطْء في غير الفَرجِ، فيحمل على أنّه منسوخ" أصلًا.
¬__________
(¬1) في سننه: 2/ 189 من حديث عبد الرحمن بن الأسود.
(¬2) هذه الفقرة مقتبسة من المعلم بفوائد مسلم: 1/ 254.
(¬3) أخرجه البخاريّ (291)، ومسلم (348) من حديث أبي هريرة.
(¬4) في الغريبين: 3/ 266.
(¬5) في المعلم بفوائد مسلم: 1/ 254.
(¬6) انظر المقدمة في الأصول لابن القصار: "81 - 87.
(¬7) أخرجه البخاريّ (180)، ومسلم (345) من حديث أبي سعيد الخدريّ.

الصفحة 194