كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

أمّا الوسوسةُ، فدواؤها الذِّكْرَى والإقبالُ على ما هو فيه. وأمّا التَّقدُّمُ على الإمام بالمخالفة (¬1)، فَعِلَّةُ ذلك طَلَبُ الاستعجالِ، ودواؤه أنّ يَعلَمَ أنّه لا يسلِّم قَبْلَهُ، فَلِمَ يستعجلُ بهذه الأفعالِ؟ وفي الحديث: "أَمَا يَخْشَى الّذي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ، أنَ يُحَوِّلَ اللهُ رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ" (¬2) وليس يرادُ به عند العلماء المسخ صورةً (¬3)، وإنّما يريدون (¬4) الحمارِيَّةَ، وهو البَلَهُ، ضربَ له الحمار مَثلًا؛ لأنّه أشدَّ البهائم بَلَهًا, ولا حماريَّةَ أعظمُ من أنّ يلتزمَ الاقتداءَ مع الإمام ثمّ يخالفَهُ فيما التزم في تلك الحال، وهذا كقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "لَيَنْتَهِيَنّ أَقوَامٌ عن رفعِ أَبصارِهم إلى السَّماءِ أو ليَخْطِفَنَّ اللهُ أَبصَارَهُم" (¬5) وليس يريد بذلك إذهابها بالعَمَى (¬6) وإنّما يشيرُ به (¬7) إلى ذهابِ فائدتها من العِبرَةِ.
الفقه:
الّذي يرفعُ رأسه قبل الإمام لا تبطلُ صلاته عند مالكٌ. وقال الشّافعيّ (¬8) إنّ فعلَها في ركعة واحدةٍ فلا شيءَ عليه ولا بأس به، وان فعلها في ركعتين بطلت صلاته؛ لأنّها نصف صلاته، وإنّما قال ذلك لأنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - نَهَى على المخالفةِ، والنّهي يقتضي فساد المنهي عنه، وخصّه مالكٌ في الإحرام والسّلام والتّكبير من الجَلْسَة الأُولى، والشّافعىّ في جميع الصّلاة.
قال الباجي (¬9): "ومعنى قولُه: "إنّما نَاصِيتهُ بِيَدِ شَيطَانٍ" معنى هذا الحديث: الوعيدُ لمن رفعَ رأسه أو خفضه (¬10) قبل إمامه، وإخبار منه أنّ ذلك من فِعْل الشّيطان.
¬__________
(¬1) في النْسخ: "بلمخالفة" ويمكن أنّ تقر: "فلمخالفة" ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
(¬2) أخرجه البخاريّ (691)، ومسلم (427) من حديث أبي هريرة.
(¬3) م: "ضرورة".
(¬4) م، غ: "يريد به".
(¬5) أخرجه مسلم (429) من حديث أبي هريرة.
(¬6) غ، جـ: "بالمعنى" وهي ساقطة من: م، والمثبت من القبس.
(¬7) م، غ: "له".
(¬8) انظر الحاوي الكبير: 2/ 342 - 343.
(¬9) في النّسخ: "الشّافعيّ" وهو تصحيف ظاهر، والصّواب ما أثبتناه؛ لأنّ الكلام هو للباجي في المنتقى: 1/ 171.
(¬10) في المنتقى: "وخفضه".

الصفحة 399