كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

وذهبت طائفةٌ أُخرى من المحقِّقين إلى أنّ عصمتهم من الصّغائر كعصمتهم من الكبائر.
واحتجَّ قومٌ بقول ابنِ عبّاس وغيره (¬1)؛ إنّ كلَّ ما عُصِي اللهُ بِهِ فهو كبيرةٌ (¬2)، وإنّما سَمَّى (¬3) منها (¬4) الصّغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها. ومخالفة البارئ تعالى في أيِّ نَوعٍ (¬5)، كان يجب كَونُه كبيرةً (¬6)، وهذا (¬7) مَعْنًى أشكل على النَّاس معرفة الكبائر من الصّغائر.
وقال القاضي أبو محمدً عبد الوهّاب: لا يمكن أنّ يقال: إنّ في (¬8) معاصي الله صغيرةً، إلَّا على معنى أنّها تُغْفَر باجتناب الكبائر، ولا يكونُ لهم كذلك في العَفْوِ سواء (¬9)، وهو أيضًا قولُ القاضي أبي بكرٍ وجماعةٍ من الأشعريّة ومن الفقهاءِ والأيمّة.
وقال بعضُ علمائنا: ولا يجبُ على القَولَيْن أنّ يُختَلَفَ أنّهم معصومونَ عن تَكرَارِ الصّغائر وكَثْرَتها، إذ يُلحِقُها ذلك بالكبائر، ولا صغيرة إذا زَالتِ الخشيةُ (¬10) وأسقطتِ المروءة وأوجبتِ الإزْراء. وهذا ممّا يُعْصَمُ عنه الأنبياءُ إجماعًا؛ لأنّ مثل هذا يَحُطُّ مَنصِبَ المتَّسِمَ به (¬11).
وذهب بعضهم -من الأيمّة- إلى عصمتهم من مُوَاقَعَةِ المكروه قَصْدًا (¬12).
¬__________
(¬1) م: "وقوله".
(¬2) أخرجه الطّبريّ في تفسيره: 5/ 40، والبيهقي في سُنَنِه: 1/ 273.
(¬3) غ، جـ:"تُسَمَّى".
(¬4) م: "منه"
(¬5) في الشِّفا: "أمر".
(¬6) "أي من حيث أنّه مخالفة لصاحب الكبرياء والعظمة، وإلّا فلا شُبْهَةَ في تَفَاوُتِ مراتب المخالفة" قاله ملا علي القاري في شرحه علىٍ الشفا: 2/ 586 (ط. سنة 1264 هـ).
(¬7) البارة التالية من زيادات المؤلِّف على نصِّ الشِّفا.
(¬8) "في" زيادة من الشفا، لا يستقيم الكلام بدونها.
(¬9) كذا في النّسخ، والعبارة مضطربة، ونصُّ الشِّفا هو: "ولا يكون لها حكم مع ذلك، بخلاف الكبائر، إذا لم يتب منها فلا يحبطها شيء، والمشيئة في العفو عنها إلى الله".
(¬10) الّذي في الشِّفا: "ولا في صغيرة أدّت إلى إزالةِ الحِشمَة".
(¬11) في النّسخ: "البشرية" والظّاهر أنّه تصحيف، والمثبت من الشِّفا.
(¬12) نرى من المستحسن إتمام السّلام كلما هو في الشِّفا، حتّى يمكن فهم اللاحق من الكلام، يقول عياض رحمه الله: "وقد استدلّ بعض الأيمّة على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم واتّباع أثارهم وسيرهم مطلقًا". =

الصفحة 410