كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

فذهبت طائفةٌ إلى منع السّهو والنِّسيان والغفلات، وهم علماء (¬1) المُتَصوِّفة وأصحاب علم القلوب والمقاماتِ، ولهم في هذه الأحاديث مذاهبُ.
قال علماؤنا المحقِّقون (¬2): إنّ النِّسيانَ والسَّهوَ في الفعل في حَقِّه -عليه السّلام- غيرُ مضادٍّ للمُعجِزة ولا قادِحٍ في التّصديق، وقد قال -عليه السّلام-: "إنّما أَنَا بشرٌ أَنْسَ كمَا تنَسَونَ، فإذا نَسِيتُ فذكِّرُوني" (¬3) وقال - صلّى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ اللهُ فُلاَنًا ذَكَّرَني كذا وكذا آية" (¬4) وقال - صلّى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأسُنَّ" (¬5).
وقيل: إنّ هذا اللفظ (¬6) شكُّ من الرَّاوي. وقد رُوِيَ: "لا أُنْسَى ولكنْ أُنَسىَّ لأَسُنَّ" (¬7).
وذهب ابنُ نَافِعٍ وعيسى (¬8) بن دينار إلى أنّه ليس بِشَكٌّ، ومعناه التَّقْسِيم، أي: أَنْسَى أَنَا. أَوْ: يُنْسِيِني اللهُ.
وقال أبو الوليد الباجي (¬9): "يحتمل ما قَالاَهُ أنّ يريد: أني أَنِّسَى في اليقَظَةِ، أو أنسى في النّوم، أو أنسى على سبيل عادة البَشَر من الذُّهول عن الشَّيء والسَّهْو. وأَنْسَى (¬10) مع إقبالي عليه (¬11). فأضاف إحدى النِّسْيَانَين إلى نفسه (¬12)، إذ كان له
¬__________
(¬1) في النسخ: "وهو علمًا". وفي الشفا: "وهو مذهب" ولعل الصواب ما أثبتناه.
(¬2) المقصود هو القاضي عياض.
(¬3) أخرجه البخاريّ (401)، ومسلم (572) من حديث عبد الله بن مسعود.
(¬4) أخرجه البخاريّ (2655)، ومسلم (788) من حديث عائشة.
(¬5) رواه مالكٌ في الموطَّأ (264) رواية يحيى، بلاغًا، وقد وصله ابن الصلاح في رسالته المشهورة، من وجوه كثيرة صحيحة، انظر "رسالة في وصل البلاغات الأربعة في الموطَّأ": 2/ 931، [مطبوعة في آخر كتاب توجيه النظر لطاهر الجزائري، باعتناء أبى غدّة. مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب].
(¬6) م: "هذه اللفظة".
(¬7) وهي رواية أبي مصعب الزّهري (489).
(¬8) غ، جـ: "عبد الله" وهو تصحيف.
(¬9) في المنتقى: 1/ 182 وهذا النّقل من المؤلًف هو بواسطة القاضي في الشِّفا؛ لأنّ الكلام موصول للقاضي عياض.
(¬10) في النّسخ: "واني" وهو تصحيف، والمثبت من الشِّفا والمنتقى.
(¬11) أي إقباله على الأمر، وقد وردت في النّسخ: "عليها" والمثبت من الشِّفا والمنتقى.
(¬12) غ، جـ: "النسيانين إليه أو إلى نفسه"، م: "النسيانين إليه" والمثبت هو الّذي يوافق نصّ الشِّفا والمنتقى.

الصفحة 412