كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

وقوله (¬1): "هُوَ صَدَقةٌ للهِ" يريد بذلك: إخراج ما فُتِنَ به من ماله وتكفير (¬2) اشتغاله عن صلاته. وهذا يدلُّ على أنّ مثل هذا كان يَقِلُّ منهم ويَعظُمُ في نفوسم.
وفي الجملة: إنّ الإقبال على الصّلاة، وترك الالتفات فيها، مأمورٌ بأحكامها (¬3)، قال الله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬4). قال أهل التّفسير (¬5): هو الاقبال عليها والخشوع فيها.
وقد كرهَ العلماءُ كلّ ما يكون سببًا للالتفات، ولذلك كره النّاس تزويق المسجد بالذَّهب والفِضَّة والنُّقوش المُزَخْرَفَةِ.
وقوله: "هُوَ صَدَقَةٌ" يقتضي الصّدقة برقبه المال (¬6)، وإنّما صُرِفَ ذلك إلى اختيار النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، لعلمه بأفضل ما تُصْرَفُ إليه الصّدقات، وحاجته إلى صَرْفِهَا في وجوهها.
حديث عَبْد اللهِ بْن أبِي بكرٍ (¬7)؛ أَن رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لَهُ بِالقُفِّ- وَادٍ مِن أَودِيَةِ المَدِينَةِ- في زَمَانِ الثَّمَرِ، وَالنَّخْلُ قَد ذُلِّلَت، فَإذَا هُوَ لاَيَدْرِي كَم صَلَّى؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَتْنِي في مَالِي هَذَا فتْنَةٌ، فَجَاءَ عُثمَانَ بْنّ عَفَّانَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ صَدَقَةٌ، فَاجْعَلْهُ في سَبِيلِ اللهِ (¬8)، فَبَاعَهُ عُثمَانُ بِخَمسينَ أَلفًا، فَسُمِّيَ ذَلِكَ المَالُ: الخَمْسِينَ.
العربية (¬9):
قوله: "بِالْقُفِّ" القُفُّ ما صَلُبَ من الأرض واجتمعَ، ومنه قَفَّ شعري، أي اجتمعَ وتقبَّضَ (¬10).
¬__________
(¬1) في حديث الموطَّأ (261) رواية يحيى.
(¬2) م، غ: "ويكفر".
(¬3) في المنتقى: "مأمورية من أحكامها".
(¬4) المؤمنون: 2.
(¬5) المراد هنا هو الإمام مالكٌ، كما في العتبية: 1/ 219 في كتاب الصّلاة الأوّل، من سماع ابن القاسم عن مالك.
(¬6) م، غ: "حرمة المال"، جـ: "الصّدقة خبر فيه الحال" والمثبت من المنتقى.
(¬7) في الموطَّأ (262) رواية يحيى.
(¬8) الّذي في الموطَّأ: "في سُبُلِ الخير".
(¬9) كلامه في العربية مقتبس من المنتقى: 1/ 181.
(¬10) انظر مشكلات موطَّأ مالكٌ: 80، ومشارق الأنوار: 2/ 192، وعن القُفّ الوادي انظر: معجم ما
استعجم: 3/ 1087، والمغانم المطابة: 349.

الصفحة 421