كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

فإن قيل: الحديث الثّاني يقضي على الأوّل، وهو حديث (¬1) أبي سعيد المَقْبُرِيّ، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "غُسْلُ يومِ الجُمُعَةِ وَاجِب على كلّ مُحْتَلِمٍ" (¬2) وحديث ثالث، قوله: "حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أنّ يغتسلَ في كلِّ أسبوعٍ يومًا (¬3).
الجواب - قلنا: هذه الألفاظ غَرَّرَت بقَوْمٍ من الجُهَّال أنّ قالوا بقولكم أنّ غُسْلَ يوم الجمعة فريضةٌ بظاهر هذه الأحاديثِ، وليس كذلك، إنّما هو سُنّة مؤكَّدة. قال أشهب: قلت لمالكٍ: غُسلُ يوم الجمعة واجب؟. قال: ليس كلّ ما جاء في الحديث يكون هكذا.
وهو كلام مُجْمَلٌ بديعٌ على عادة السَّلَف، إذ كانوا يجملون في الأقوال ولا يبسطونها (¬4). والدّليل على سقوطه أربعة أوجه:
الوجه الأوّل: قال شيخُنا الفهريُّ، قال: قال لنا قاضي القضاة الدّامغانيُّ (¬5)، قال: حدّثنا (¬6) أبو الحسين" (¬7)، رئيس (¬8) الحنفيّة في وقته، قال: قولُ النَّبيِّ عليه السّلام: "غُسْلُ يومِ الجمعةِ واجبٌ" يعني: ساقطًا، يحتمل أنّ يسقط بسقوط الفرائض، ويحتمل أنّ يسقط بسقوط السُّنن، فلا يكون له في الحديث متعلّق.
الوجه الثّاني: رَوَى النَّسائي (¬9)، وأبو داود (¬10)، عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه قال: "من
¬__________
(¬1) من هنا إلى آخر المسألة ورد بالقبس: 1/ 264 - 266.
(¬2) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (267) رواية يحيى.
(¬3) أخرجه البخاريّ (897)، ومسلم (849) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(¬4) م، غ: "يختلفون في الأقوال ولا يسطرونها"، جـ: "يختلفون في الأقوال ولا يستظهرونها" والمثبت من القبس.
(¬5) هو أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني الحنفي (ت. 487) انظر أخباره في الفوائد البهية في تراجم الحنفية: 182 - 183.
(¬6) جـ: "أخبرنا".
(¬7) في النّسخ، والقبس: "أبو الحسن" والمثبت من القبس: 4/ 608 (ط. هجر) وأبو الحسين هو أحمد بن محمد القدوري (ت. 428)، انظر أخباره في الفوائد البهية للكنوي: 30 - 31، ووفيات الأعيان: 1/ 78.
(¬8) في النسخ: "بن" والمثبت من القبس.
(¬9) في الكبرى (1684) من حديث سمرة.
(¬10) في سننه (354)، والحديث أخرجه أيضًا أحمد: 5/ 8، والدارمي (1548)، والترمذي (497)، وابن خز يمة (1757)، والبيهقي: 1/ 295.

الصفحة 434