كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

قال الإمام: يعني بذلك الجمعة دون غيرها.
قال بعض العلماء: كونُ الصّلاة هاهنا الجمعة معلومٌ بالإجماعِ لا مِنْ تفسير اللّفظ. وعندي أنّه معلومٌ من نفس الصّلاة لنكتة، وهي قوله: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} وذلك يُفِيدُه؛ لأنَّ النِّداء الّذي يختصُّ بذلك اليوم هو نداءُ تلك الصّلاة، فأمّا غيره (¬1) فهو عامٌ في سائر الأيام.
وقال بعضُ علمائنا: كان اسم الجمعة في العرب الأوّل عَرُوبَة، فسماها الجمعة كَعْب بن لُؤَيّ؛ لاجتماع النّاس فيها إلى كعب (¬2).
المسألة الثّالثة (¬3): قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬4).
اختلفَ العلماءُ في معناه على أربعة أقوال:
القولُ الأوّل - قيل: المرادُ به النِّية، قاله الحسن (¬5).
القول الثّاني - قيل: إنّه العمل (¬6)، كقوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} الآية (¬7). وكقوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} (¬8) وهذا قول الجمهور.
القولُ الثّالث - قيل: المراد به السّعي على الأقْدَام (¬9).
ويحتمل ظاهِرُهُ رابعًا: وهو الاشتدادُ والجَرْيُ، وهو الّذي أنكره الصّحابة
الأعلمون، والفقهاء الأقدمون، قرأها عمر {فامضوا} الآية (¬10)، فرارًا عن طريق
¬__________
(¬1) في الأحكام: "غيرها".
(¬2) انظر الروض الأنف للسهيلي: 4/ 98 (ط. الوكيل) وتهذيب الأسماء للنووي: 3/ 27، 51، وتاج العروس: 5/ 306 (ج م ع)
(¬3) انظر القسم الأوّل من هذه المسألة في أحكام القرآن: 4/ 1804 - 1805.
(¬4) الجمعة: 9.
(¬5) أخرجه ابن أبي شيبة: 2/ 157 (ط. الهند) وأورده السيوطي في الدّرّ المنثور: 14/ 477 (ط. هجر) وعزاه إلى سعيد بن منصور وعبد بن حُمَيْد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(¬6) أخرجه ابن أبي شيبة (5556) عن عكرمة، وكذلك قول مالكٌ في الموطَّأ (286) رواية يحيى.
(¬7) الإسراءِ: 19.
(¬8) الليل:4.
(¬9) أخرج عبد الرزاق (5347) عن عطاء أنّه فَسَّرَ الآية بقوله: "الذّهاب والمشيُ" وأخرجه أيضا عبدُ بن حميد، وابن المنذر، نصُّ عليهما السيوطي في الدُّرِّ المنثور: 14/ 477 (ط. هجر).
(¬10) أخرجها أبو عبيد في فضائل القرآن: 185 - 186، وابن أبي شيبة: 2/ 157 (ط. الهند) وذكرها ابن خالويه في مختصر في شواذ القرآن: 156. يقول ابن عبد البرّ في الاستذكار: 2/ 296 (ط. القاهرة): =

الصفحة 448