كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

النّبي صلّى الله عليه يخطُبُ قائمًا (¬1)، ولقوله: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬2).
وقال أبو حنيفة: تجزئ الخُطْبة قاعدًا؛ (¬3) لأنّ القَصْدَ الإسماع وقد حصلَ.
قلنا: صحَّ من حديث ابن (¬4) سَمُرَةَ؛ أنّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ قائمًا، ثم قَعَدَ قعدةً لا يتكلّم (¬5). فمَنْ أخبر (¬6) أنّ النَّبىَّ خَطَبَ قاعدًا فلا تصدِّقه.
قال الإمام: وملازمةُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، والصّحابة القيام أصلٌ في الوجوبِ المختصِّ به، والعمدةُ فيه ما قدَّمناهُ من قوله: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} فَذَمَّهُم، وذلك دليل الوجوب المختصّ به، لا سيّما وقد قلنا إنه عِوَضٌ من الرَّكعتين، والقيامُ واجبٌ في العِوَضِ، فوجب في المُعَوّضِ.
المسألة الحادية عشر:
قال علماؤنا: ولابدَّ للخطيب أنّ يجلسَ بين الخُطبَتَيْن؛ لأنّها عند مالك إمام دار الهجوة سُنَّةٌ. وعند الشّافعيّ (¬7) وإجبة. وعند أبي حنيفة بالخِيَارِ إنّ شاء فَعَلَ، وإن شاء لم يفعل.
والعمدةُ فيه: إنّما قصرت الجمعة لأجل الخُطْبَة، فجاء من هذا أنّ الخُطْبَة عِوَضٌ من الرَّكعتين، والجمعة ركعتان، ولابدَّ فيهما من الجلوس ليفصل بينهما بسكوتٍ.
المسألة الثّانية عشر (¬8):
قال علماؤنا: والخُطبَةُ عندنا كلامٌ له بالٌ، وأقلّه الحمدُ لله والصّلاة على رسوله، ويحذِّر ويبشّر (¬9).
وقال بعضُ القَرَوِييِّن: لابدّ أنّ يأتي في خُطْبَتِه بسَجْعٍ تنتظمُ به خطبته. وتكونُ
¬__________
(¬1) رواه البخاريّ معلَّقًا (الحديث الّذي قبل: 920) باب الخطبة قائمًا، وقد وصله في باب الاستسقاء
الحديث (933). وانظر تغليق التعليق: 2/ 363.
(¬2) الجمعة: 11
(¬3) انظر مختصر الطحاوي: 34.
(¬4) "ابن" زيادة من العارضة والمصادر.
(¬5) أخرجه مسلم (862)، وأبو داود (1093)، والنسائي في الكبرى (1783).
(¬6) ج: "أخبرك".
(¬7) في الأم: 3/ 86، وانظر الحاوي الكبير: 2/ 432.
(¬8) انظرها في العارضة: 2/ 296 - 297.
(¬9) الّذي في العارضة: "ويحَذِّر ويسِّر، ويقرأ شيئًا من القرآن، ولا يطيلها".

الصفحة 457