كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

قَصْدًا، وصلاتُه أيضًا قصدًا؛ (¬1) لأنّ من فقه الرّجل قصر خطبته وطُول صلاته (¬2).
وحَكَى المؤرِّخون عن عثمان كذبة عظيمة؛ أنّه صَعِدَ المِنْبَرَ فَأُرْتجَ عليه، فقال كلامًا منه: وأنتم إلى إمام فَعَّالٍ أَحْوَج منكم إلى إمام قَوَّالٍ (¬3)، فيا لِله لقائل هذا وللعقول (¬4)، إنّ أقَلَنَّا اليوم لا يُرْتَجُ عليه، فكيف عثمان؟ لا سيّما وأقوى أسباب الحَصْر في الخُطْبَة أنّه لا يدري (¬5) ما يُرْضِي السّامعين ويستميل (¬6) قلوبهم؛ لأنّه يقصد الظهور عندهم. ومن كانت خطبته لله، فليس يُحصَر عن حَمْدٍ وصلاةٍ، وحَضً على فعلِ خيرٍ، وتحذيرٍ من شَرِّ أي شيء (¬7) كان، ولم يخلق من يحصر إلّا من كان له غرض غير الحقِّ، فربّما أعانه عليه بالفصاحة فتنة، وربّما خَلَقَ اللهُ له العِيَّ في ذلك المقام (¬8).
وقوله (¬9): "كانَتْ صَلاَتُهُ قَصْدًا، وخُطْبَتُهُ قَصدًا" والقصدُ في العربيّة: كلُّ شيءٍ جاء على وجه الحقِّ.
المسألة الثّالثة عشر (¬10):
قال علماؤنا: ويقرأُ الخطيب القرآنَ على المِنْبَرِ في خطبته، وبه قال الشّافعيّ (¬11)، ولو لم يقرأه أعادَ الخُطْبَة، ولو اقتصر على القرآن لأجزَأَهُ.
¬__________
(¬1) إشارة إلى ما جاء في حديث مسلم (866) عن جابر بن سَمُرَة.
(¬2) إشارة إلى ما جاء في حديث مسلم (869) عن أبي وائل.
(¬3) أصل الحكاية أخرجها ابن سعد في الطبقات: 3/ 62 عن إبراهيم بن أبير ربيعة المخزومي، ومن طريقة ابن عساكر في تاريخ دمشق: 230 [ترجمة عثمان] كما أخرجها أبو هلال العسكري في الأوائل: 1/ 260 في أوّل ما أرْتجِ عليه في الخطبة، عن أبي العالية، وأوردها السرقسطي في كتاب الدلائل في غريب الحديث: 2/ 523، وابن عبد ربه في العقد الفريد: 4/ 66، كما أورد هذه الحكاية القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: 18/ 115، وذكرها الزيلعي في نصب الراية: 2/ 197 وقال: "ذكره الإمام القاسم بن ثابت السَّرَقُسطِي في كتاب غريب الحديث من غير سَنَدٍ" وتال علي القارئ في المصنوع في معرفة الحديث الموضوع: 130 "قال ابن الهمام: لم تُعْرَف في كتب الحديث، بل في كتب الفقه" وأوردها أيضًا ابن كثير في البداية والنهاية: 10/ 216. وقال: "وهو شيء يذكُرُهُ صاحب العِقْد وغيره ممَّن يذكُرُ طرف الفوائد، ولكن لم أر هذا بإسنادٍ تَسْكُنُ النَّفْسُ [إليه] ".
(¬4) في النُّسَخ: "وللفضول" والمثبت من العارضة.
(¬5) في النُّسَخِ: "لا يرى" والمثبت من العارضة.
(¬6) م: "ويستنزل"، جـ: "ويشتمل"، العارضة: "يميل".
(¬7) في النُّسَخ: "وتحذير وتبشير أي" والمثبت من العارضة.
(¬8) تعجيزًا.
(¬9) أي قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم (866).
(¬10) انظرها في العارضة: 2/ 296 - 297.
(¬11) في الأم: 3/ 89.

الصفحة 458