كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

ويجَتمِعونَ في صلاةِ العصرِ، ثُمَّ يَعرُجُ الّذين بَاتُوا فِيكُم" (¬1) قال (¬2): فهيَ وقت العرُوج وعَرْض الأعمال على الله عَزَّ وَجَلَّ، فيُوجِبُ اللهُ تعالى فيهِ مغفرته للمصلِّين (¬3) من عباده.
ولذلك شدَّدَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - على من حَلَفَ على سِلْعَةٍ بعد العصرِ، لقد أعطي بها أكثر، تعظيمًا للساعة. وفيها يكون اللِّعان والقَسَامَة.
وقال المفسِّرون في (¬4) قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} (¬5) إنّها بعد صلاة العصر (¬6)، وأكثر العلماء على أنّها بعد العصر (¬7).
قال الإمام: والّذي عندي فيها أنّها في يوم الجمعة كلَّه، وأنّها مبهمةٌ فيه، كَلَيْلَةِ القَدر والصّلاة الوسطى، لكي يجتهد النَّاس فيها بالدّعاء والصّلاة، والله أعلمُ.
حديث أبي هريرة (¬8)؛ قال: خَرَجْت إِلَى الطُّورِ، فَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ، فَجَلَسْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْرَاةِ، وَحَدَّثتُهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلّى الله عليه وسلم -، فَكان مِمَّا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: قَالَ رَسُوُل اللهِ: "خَيرُ يَومٍ طَلَعَت فِيهِ الشَّمسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ" الحديث.
صحيحٌ حَسَنٌ (¬9). وفيه ثمان (¬10) مسائل:
المسألة الأولى (¬11): قوله "خَرَجْتُ إلَى الطُّورِ"
الطُّور في كلام العرب واقع على كلِّ جَبَلٍ، إلّا أنّهُ يطلق في الشّرع على جبلِ بعينه، وهو الّذي كُلِّمَ فيه موسى -عليه السّلام-.
وقوله: "فحدَّثَنِي عن التّوراة" يعني: أخبره بما في التّوراة على وجه القصص
¬__________
(¬1) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (472) من حديث أبي هريرة.
(¬2) القائل هو المهلَّب بن أبي صفرة كما في شرح ابن بطّال.
(¬3) جـ: "للمسلمين".
(¬4) في شرح ابن بطّال: "وقيل في".
(¬5) المائدة: 106.
(¬6) قاله شُرَيْح، والشَّعبىّ، وسعيد بن جُبَيْر، وقتادة. نصَّ على ذلك المؤلِّف في أحكام القرآن: 2/ 724.
(¬7) وهو الّذي نصره الطّبريّ في تفسيره: 7/ 111.
(¬8) في الموطَّأ (291) رواية يحيى.
(¬9) هذا الحكم هو للإمام الترمذي في جامعه (491) (ط. شاكر).
(¬10) م، غ: "جملة".
(¬11) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 201، وقد سقطت من: م، غ.

الصفحة 462