كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

ونقصه من الفَرْضِ؛ أنّه يَكفُر جاحد الفَرْض ولا يكفر جاحِدَ الوَاجِبِ.
وقال عبد الوهّاب (¬1): الواجب عندنا والفَرْضُ، واللّازم، والخَتْمُ والمستحقّ، بمعنى واحد، فيتحقّق معهم الكلام في هذه المسألة، فإن أرادوا بالوجوب أنّه ممّا يحرمُ تركُه (¬2)، فهو خلافٌ في عبارة، فلا معنى بالاشتغال بالمناظرة في ذلك. وإن قالوا: إنّه ممّا يحرم تركه، فهو خلافٌ في معنى.
والدليل على نفي وجوبه: قوله - صلّى الله عليه وسلم - للأعرابي الّذي سأَلَهُ عن الخمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: "لا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ" (¬3).
فوجه الدّلالة منه:
1 - أنّه سأل عن الفَرْضِ، فأجابَ بالخمس، وهذا يقتضي أنّ الخمس جميعٌ فَرْض الصّلاة.
2 - والثاّني: أنّه قال: هل عَلَىَّ غيرها؟ قال:" لا" فَنَفَى الوجوب عن غيرها.
3 - والثاّلث: أنّه قال: "إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ" فوصف ما زاد على الخمس بالتَّطَوُّعِ.
المسألة الثّانية (¬4):
في عدد الوتر، فإن مالكًا - رحمه الله - ذهب إلى أنّ الوِتْرَ واحدة (¬5)، وبه قال الشّافعيّ.
وقال أبو حنيفة: الوِتْرُ ثلاثٌ في تسليمةٍ واحدةٍ.
والدليلُ على ما نقوله: قول عائشة في هذا الحديث: "يُوترُ مِنْهَا بَواحِدَةٍ".
ودليلٌ ثانٍ (¬6): قوله في هذا الحديث: "كان رسولُ الله صلّى الله عليه قد أسن
¬__________
(¬1) بنحوه في المعونة: 3/ 1691 (ط. الباز) وقد نشر محمد السليماني المسائل الأصولية منها في ملحق
كتاب المقدمة في الأصول لابن القصَّار: 238، ثم أعاد نشرها بصورة أجود وأتقن إدريس الفهري
بعنوان: " رسالتان في بيان الأحكام الخمسة الّتي تعتري أفعال المكلّفين" دار البحوث وإحياء التراث
بدبي، سنة 1424. انظر صفحة 163.
(¬2) في المنتقى: "أنّه لا يحرم تركه".
(¬3) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (485) رواية يحيى.
(¬4) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 214.
(¬5) أي ركعة واحدة.
(¬6) هذا الدليل من اضافات المؤلًف على نصِّ الباجي.

الصفحة 494