كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 2)

المسألة السادسة (¬1): قوله (¬2): "اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَن"
قال علماؤنا (¬3): هذه الضّجعة ليست بقُرْبَةٍ، وإنّما كان - صلّى الله عليه وسلم - يضطجعُ راحةً وإِبقَاءً على نفسه. وقال مالكٌ: مَنْ فَعَلَها راحةً فلا بأس به، ومن فعلَها سُنَّةَ فلا خَيْرَ في ذلك. وإلى هذا ذهب جماعة الفقهاء.
وأهل (¬4) الظاهر بجَهْلِهِمْ يُوجِبُونَها ويجعلونها سُنَّة (¬5)، وليس هذا بشيءٍ، وأنكر هذه الضَّجْعَة جماعةٌ. وقال ابنُ عمر: هي بدعة لمن لم يقم اللّيل.
المسألة السّابعة:
وقولُه في الحديث (¬6):" كانَ يَنَامُ قَبْلَ أنّ يُوتِر" (¬7) يحتمل معنيين:
1 - إحدهما: أنّه كان ينام بإثْرِ صلاة العشاء قبل أنّ يُوتر.
2 - ويحتمل أنّ يكون أراد به: صلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ نامَ قبلَ أنّ يُوتِر، فقالت ذلك، فقال: "يا عائشةُ، إنَّ عَيْنَيَّ تنَامُ ولا يَنَامُ قَلْبِي" (¬8) يريد أنّه لا ينامُ عن مراعاة الوقت، وهذا ممّا خُصَّ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - به من أَمْرِ النُّبُوَّةِ والعصمة؛ ولذلك كان لا يحتاج إلى الوضوء من النّوم، لعلمه بما يكون منه، وإن كان محروسًا من الحَدَثِ.
المسألة الثّامنة:
الوِتْرُ قبلَ النَّومِ فيه حديث أبي هريرة؛ قال: "أَوْصَاني خَلِيلي أبو القاسم بصيامِ ثلاثةِ أيّامٍ من كلِّ شهرٍ، وركعَتَي الضُّحى، ولا أنام إلّا على وِترٍ" (¬9).
قال أهلُ الزُّهد: في هذا ثلاث فوائد:
¬__________
(¬1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 215.
(¬2) في حديث الموطَّأ (314) رواية يحيى.
(¬3) المراد هو الإمام الباجي.
(¬4) الكلام التالي من إضافات المؤلِّف على نصِّ المنتقى.
(¬5) انظر المحلى: 3/ 196 - 199.
(¬6) الّذي رواه مالكٌ في الموطَّأ (315) رواية يحيى.
(¬7) الّذي في الموطَّأ: " أتنامُ قبلَ أنّ تُوتِر؟ ".
(¬8) يقول البوني في تسير الموطَّأ: 24/ أ"قيل معنى ذلك - والله أعلم -: في وقت دون وقت؛ لأنّه قد نام في الوادي حتّى ضربه حرّ الشّمس. وقيل: إنّ أعين الأنبياء عليهم السّلام تنام ولا تنام قلوبهم أصلًا، وأنهم لا تخفى عليهم أحوالهم، والله أعلم".
(¬9) أخرجه البخاريّ (1178)، ومسلم (721) من حديث أبي هريرة.

الصفحة 497