كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

الفَجرِ خَيْرٌ منَ الدُّنيَا وما فيها".
قال الإمام: هذا حديث صحيح بلا خلافٍ، ومن ألفاظه في الصّحيح: "أَحَبُّ إِليَّ من الدُّنيا وما فيها" (¬1).
وللعلماء في هذا الحديث أغراض حِسَانٌ وفوائد جَمَّة، وتهليلةٌ واحدةٌ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، هذا بينهم أَمْرٌ متَّفَقٌ، إنّه لا خلاف في ذلك، فكيف بركعتي الفجر؟
والفائدة الثّانية فيه (¬2): التّفضيلُ بين الدُّنيا والآخرة، وإن كان لا نسبة بينهما، إلَّا على أنّهما داران ومنزلان وحالتان، إحداهما أفضل من الأخرى، وأهنأ وأبلغ في القُدْرَةِ، مع عدم الآفات والهموم.
فإن قيل: إنّ ذلك خرج على مذهب من يرى أنّه لا دار إلَّا الدُّنيا, ولا وجودَ سواها.
فقيل لهم: لو علمتم تلك الدّار، لحكمتم أنّها أفضل لا محالةَ، لما أَخْبَرنَا به الصّادق المختار.

فضلُ صلاةِ الجماعةِ على صلاةِ الفَذِّ
قال الإمام الحافظ: أدخلَ مالك - رحمه الله - في هذا الباب أربعة أحاديث:
1 - الحديث الأوّل: حديث عبد الله بن عمر (¬3)؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "صلاةُ الجماعةِ تَفْضُلُ مِنْ صلاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً".
2 - وحديث أبي هريرة (¬4)، عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "صَلاَةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ أَحَدِكُمْ بِخَمْسةٍ وَعِشرِينَ جُزْءًا".
الإسناد:
قال الإمام: هذه الأحاديث صِحَاحٌ حِسَانٌ، خَرَّجَهُمَا الأيمَّة (¬5)، وأجمعت عليها الأُمَّة.
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم (725) من حديث عائشة.
(¬2) انظرها في عارضة الأحوذي: 2/ 213.
(¬3) في الموطَّأ (341) رواية يحيي.
(¬4) في الموطَّأ (342) رواية يحيى.
(¬5) فالحديث الأوّل: أخرجه البخاريّ (645)، ومسلم (650)، والحديث الثّاني أخرجه أيضا البخاريّ (648)، ومسلم (649).

الصفحة 14