كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

قال (¬1): "وهذا أيضًا يحتاج إلى أنّ يثبت عنهم ثبوتًا شائعًا مع عدم المخالف لهم، وإلّا لم يكن إجماعًا".
المسألة الخامسة (¬2):
وهي إذا ائْتَمَّ الواقفُ بالجالسِ، فقد قال أبو القاسم في "تفريعه" (¬3): "يُكْرَهُ، فإن أمَّهُم أَعَادُوا في الوقتِ"، وهذا عندي على رواية ابن مسلم عن مالكٌ (¬4). وأمّا على المشهور من قول مالكٌ، فإنّهم يعيدون (¬5) أبَدًا.
نكتةٌ أصولية (¬6):
فإن قيل: فأين عصمة النُّبُوَّة حين جُحِشَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - في سقطته؟
الجواب: أنّ عِصْمتَهُ من كلِّ شيءٍ يقدحُ في النُّبُوَّةِ، والسقوط عن الدَّابة لا يقدحُ فيها.
فإن قيل: فأين العصمة يوم أُحُد حين جُرِحَ وَكُسِرَت أضراسُه؟
فالجواب: أنّ هذه الآية (¬7) نزلت في القَتْلِ خاصّة كما عُصِمَ منه. وكان سبب هذه الآية؛ أنَّ أعرابيًا جاء إلى النَّبيِّ -عليه السّلام- ليقتلَهُ، فاخْتَرَطَ سيفُهُ (¬8) ورفعه، فاستيقظَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - وكان راقدًا تحت شجرة وحدَهُ - فقال له: من يعصمُك منِّي؟ فقال له النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "الله"، فرفع يده ليضربه فتجَمَّدَ ذِرَاعه، فلم يستطع أنّ يرفعه، حتّى رغب لمحمَد -عليه السّلام-، فدعا اللهَ محمَّدٌ - صلّى الله عليه وسلم - فأطلقَ يَدَهُ (¬9). ففزع النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وعلم أنّما عَصَمَهُ اللهُ، وخشيَ أنّ يأتيه آخر فيقتله دون أنّ يوقظه، فنزلت الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬10)
¬__________
(¬1) القائل هو الإمام الباجي.
(¬2) هذه المسألة مقتبسة من المننقى: 1/ 241.
(¬3) 1/ 223 باب الإمامة في الصّلاة. وعبارته هي كالتالي: "ويُكرَهُ أنّ يؤمّ قاعد قيامًا ... ".
(¬4) وهي أنّه يجوز لهم الائتمام به قيامًا، والتي سبق الإشارة صفحة: 230.
(¬5) في المنتقى: "يعيد".
(¬6) جاء في هامش ج بقلمِ بعض القراء: "قف على هذه المسألة فهي حسنة جدًّا".
(¬7) أي قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} المائدة: 67.
(¬8) أي سَلَّهُ من غِمْدِهِ.
(¬9) أخرج بنحوه البخاريّ (2910، 4135)؛ ومسلم (843) من حديث جابر.
(¬10) المائدة: 67، وانظر تفسير الطّبريّ: 6/ 308؛ وأسباب النزول للواحدي: 195.

الصفحة 47