كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

ثبت أنّه لم يغسِّل شهداء أحد وصلَّى عليهم، وبه قال الشّافعيّ (¬1).
والمسألة عريضة الخلاف، وعمدة أبي حنيفة عموم قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (¬2) وأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - صلّى على شهداء أُحُد وكَبَّرَ عليهم عَشْرًا عَشْرًا، وصلّى على حَمزة مع كلِّ عَشرة (¬3)، والإثباتُ أَوْلَى من النَّفْي كما في كلِّ حديثِ، وهذا أصل مُتَّفَقٌ عليه، وقد تقدَّم حديث أبي مالكٌ الغفاري في الصّلاة عليهم وعلى حَمْزَة (¬4)، وكذلك رواه الواقديّ؛ أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - صلَّى على شهداء أُحُد وكَبَّرَ على حَمْزَة سبعين تكبيرة (¬5)، وحديث ابن عبّاس أيضًا في الصَّلاة عليهم (¬6).
وقال أهل الحديث: أمّا حديث أبي مالكٌ الغفاري فإنّه مُرْسَلٌ؛ لأنّه ليس بصاحبٍ.
وأمّا حديث ابن عبّاس، فيرويه يزيد بن أبي (¬7) زياد (¬8) وقد اختلَّ في آخِرِ عمره (¬9)، وقد رواه أبو داود (¬10)، وقال: أمرَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - أنّ ينزعَ عنهم الحديدَ والجُلُودَ، وأن يدفنوا بدِمَائِهِمْ.
المسألة الحادية عشرة:
قال أشهب في "المجموعة": إذا وُجِدَ البَدنُ بلا رأسٍ له ولا أطرافٍ صُلِّي عليه.
وإذا وُجد الرَّأسُ وأطرافه فقط فلا يصلَّى عليه، ولو وَجَبَت الصّلاةُ عليه لوجبت على أَبْعَاضِهِ وأَسْنَانِهِ وأَصَابِعِهِ وأَنْفِهِ.
¬__________
(¬1) في الأم: 3/ 368.
(¬2) التوبة: 103.
(¬3) أخرجه أبو داود في المراسيل (427، 435).
(¬4) انظر الحديث السابق.
(¬5) انظر هذه الرِّواية في تلخيص الحبير: 2/ 237 (ط. قرطبة).
(¬6) أخرجه ابن ماجه (1513)، والحاكم: 3/ 197، والبيهقي: 4/ 12.
(¬7) "أبي" زيادة يقضيها السياق.
(¬8) هو أبو عبد الله الهاشمي، مولاهم (ت. 136) قال ابن معين: ليس بالقوي، وقال أيضًا: ضعيف. انظر تاريخ ابن معين: 2/ 671، وطبقات ابن سعد: 6/ 340، والتاريخ الكبير: 8/ 334، وميزان الاعتدال: 4/ 423.
(¬9) قال ابن حبّان في المجروحين: 3/ 99 كان صدوقًا، إلَّا أنّه لما كبر ساءَ حفظه وتغيّر، وكان يلقّن ما لقّن، فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغيير صحيح".
(¬10) في سننه (3134).

الصفحة 549