كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

واختار مالك (¬1) أنّها الصُّبح، واختار أبو حنيفة أنّها العصر (¬2).
وحُجَّةُ من قال: إنّها الصُّبح، فإنّها فاتحة العمل وإنّ القنوت لا يكون إلَّا فيها، لقوله: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬3).
وأيضًا: فإنّ صلاتها تعدلُ قيام ليلة.
واحتجَّ من قال: إنّها الظّهر، أنّها إذا صلّاها ظهرت ووقع الابتداء بها، فكان لها فضل؛ لأنّها أوّل صلاةِ صلّاها جبريل بالنّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -.
واحتجَّ من قال: إنّها العصر، بما تقدَّمَ من الأحاديث الصِّحاح في "مسلم" (¬4) و"البخاريّ "، ولم يصحِّحه البخاريّ ولا أَدْخَلَهُ في كتاب الصّلاة، وإنّما أدخله في كتاب المغازي في غزاة الخَندَق (¬5).
واحتجّ من قال: إنها المغرب، بأنّها ذات وقتٍ واحدٍ لا تأخيرَ لها.
واحتجّ من قال: إنّها الجمعة، بأنّ شروطها أكثر، فدلَّ بها أنّها أفضل.
واحتجّ من قال: إنّها أُخْفِيَت في الصّلوات، كما أخفيت ليلة القَدْر في الشَّهر.
قال الإمام: والصّحيحُ عندي أنّها مخفيةٌ؛ لأنّ الأحاديث لم تُبيَّنها, ولا صحَّحَها أبو عبد الله (¬6) لاختفائها زيادةً في فضلها، فعلى هذا هي مخبوءةٌ في جُمْلَةِ الصّلوات كما الكبائر في جملة الذّنوب، ترغيبًا منه في فضل الطاعة، وترهيبًا لاجتناب المعصية.
الأصول (¬7):
قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} الآية (¬8)
¬__________
(¬1) في الموطَّأ (370) رواية يحيي، وانظر المعلم للمازري: 1/ 288.
(¬2) انظر شرح معاني الآثار: 1/ 167.
(¬3) البقرة: 238.
(¬4) الحديث (627) عن عليّ.
(¬5) الحديث (4111) عن عليّ.
(¬6) في النُّسَخِ: "الترمذي" والمثبت من العارضة, لأنّ أبا عبد الله البخاريّ لم يصحِّحها، أمّا الترمذي فقد صححهاَ في جامعه الكبير (181 - 182).
(¬7) انظره في أحكام القرآن: 1/ 223.
(¬8) البقرة: 238.

الصفحة 55