كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

التّرمذيّ (¬1) عن جَابِر: "الطِّفلُ (¬2) لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ولا يَرِثُ ولا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ" (¬3) واضطربت روايته، فقيل: مُسْنَدًا (¬4)، وقيل: موقوفًا (¬5)، وباختلاف الرِّوايات يرجع إلى الأصل (¬6). وحديث عائشة في "البخاريّ" (¬7) في الطِّفل أنّه عصفور من عصافير الجنّة، فقال لها النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدرِيكِ أَنَّهُ عصفورٌ من عصافِيرِ الجَنَّةِ" ضعَّفَهُ ابن حنبل (¬8). وقال علماؤنا: هو منسوخ بقوله - صلّى الله عليه وسلم - في إبراهيم: "إِنَ لَهُ مَوْضِعًا في الْجَنَّةِ"، ولقوله: "مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ" (¬9) ومعلومٌ أنّه لو لم يكونوا في الجَنَّةِ لَمَا مَنَعُوهُ النّارَ وأدخلوه الجنَّة.
وأيضًا: فإنّ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - حينئذٍ لم يكن يعرف ولا يدري، حتّى عرَّفَهُ اللهُ بعد ذلك، فقال في إبراهيم ابْنِهِ وغيره ما قال، فيقطع أنّ ولد المسلم في الجَنَّة، وولد (¬10) الكافر في المشيئة، والّذي صَرَّحَ أنّ وَلَدَ المسلمِ في الجَنَّة، قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} الآية (¬11).
عربية:
يقال: هلَّ واسْتَهَلَّ بمعنى (¬12) ظَهَرَ وصَاحَ.
وقوله: "السّقْطُ" هو الولد يُطرَحُ قبل تمَامِهِ، وفيه ثلاث لغات: سِقْطٌ، وسَقْطٌ،
¬__________
(¬1) في جامعه الكبير (1032).
(¬2) غ: "السّقطُ".
(¬3) غ: "يستهل صارخًا".
(¬4) أي رُوِيَ عن ابن الزبير، عن جابر، عن النّبيِّ مرفوعًا.
(¬5) أي رُوِيَ عن أشعث بن سِوّار وغير واحد، عن أبي الزّبير، عن جابر موقوفًا. وانظر الكلام على هذا الحديث في العلّل للدراقطَني: 7/ 134 - 136 حيث رجّح صحّة الموقوف.
(¬6) والأصل -كما في العارضة- هو أنّ لا يصلّى إلَّا على حيّ، والأصل الموتيّة حتّى تثبت الحياة.
(¬7) عزوه الحديث للبخاري تصحيف من النُّسّاخ، أو سبق قلم من المؤلِّف، والحديث أخرجه مسلم (2662).
(¬8) انظر العلّل ومعرفة الرجال لابن حنبل: 2/ 11.
(¬9) أورد البخاريِ معلقًا في كتاب الجنائز (23) باب: ما قيل في أولاد المسلمين (92) من حديث أبي
هريرة. وَوَصَلهُ ابن حجر في تغليق التعليق: 2/ 498.
(¬10) جـ: "وأن ولد".
(¬11) الطور: 21.
(¬12) جـ:"يعني".

الصفحة 551