كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

قام، فقيل له: إنّها يهوديّة، فقال: "أليست نَفسًا" (¬1)، وقيل: إنه تَرَكَهُ، وإنّما يؤخذ في أفعاله بالأَحْدَثِ فالأَحْدَث. وكان القيام من فعل الجاهلية، فقيل: جرى عليه حتّى تركه.
وقال علماؤنا (¬2): إنّما كان ذلك منه تعظيمًا للموت، ثمَّ جلسَ بعد ذلك، فكان إذا مُرَّ عليه بجنازة لم يقم إليها، فكان آخر فعله ناسخًا لأوَّلهِ، وهو تفسيرُ قول علي بقوله: "ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ".
المسألة الثّانية:
قال الإمام: والصّحيحُ عندي أنّه منسوخٌ بالجلوسِ، وللحديث الثّالث، قوله: "لَا يَجلِسُ مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةً حَتَّى تُوضَع عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ" (¬3) فمن قامَ إلى الجنازةِ لم يبلغه النَّسخ، والله أعلم، وقد تَقَدَّم بَيَانُهُ.
المسألة الثّالثة (¬4):
مالك (¬5)؛ أنَّه بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيُّ بنِ أَبِي طَالِبِ كَانَ يَتَوَسَّدُ عَلَى الْقُبُورِ وَيَضطَجِعُ عَلَيهَا. وهو أكثر من الجُلوس الّذي تضمّنه الحديث (¬6) الّذي تعلّق به ابن مسعود وعَطَاء في المنع من الجلوس على القبور.
ووقع في "كتاب مسلم" (¬7) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَجلِسَ أَحَدُكُم عَلَى جَمرَةٍ فَتَحرِقَ ثِيَابَهُ فَتَصِلَ (¬8) إِلَى جِلدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنّ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ". وورد حديثٌ لا بأسَ بالجلوس على المقابر، والجمعُ بين هذين الحديثين؛ أنّ يقال: إنّ النّبىَّ صلّى الله عليه إنّما نهى عن ذلك لحاجةِ الإنسانِ، ألَّا ترى أنّ عليًّا كان يتوسَّد عليها ويجلس، وبهذا (¬9) التّأويل استحسن (¬10) مالكٌ أنّ النّهي عن الجلوس
¬__________
(¬1) أخرجه البخاريّ (1312)، ومسلم (961) من حديث قيس بن سعيد وسهل بن حَنِيف.
(¬2) المراد هو الإمام البوني في تفسير الموطّأ: 72/ ب والفقرة التالية مقتبسة منه.
(¬3) أورده التّرمذيّ في الجامع الكبير: 1/ 349 على أنّه من قول أحمد وإسحاق بن راهويه.
(¬4) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 2/ 24 بتصرُّف وزيادات يسيرة.
(¬5) في الموطّأ (627) رواية يحيى.
(¬6) في المنتقى: "ظاهر الحديث".
(¬7) الحديث (971).
(¬8) في مسلم: "فَتَخْلُصَ".
(¬9) غ، جـ: "وهذا" ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
(¬10) جـ: "أحسن".

الصفحة 563