كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

وقيل: يحتمل أنّ يكون الميِّت (¬1) قد وصَّى أنّ (¬2) يبكَى عليه، فيعذَّب بوصيَّتِهِ (¬3) وإنَّ (¬4) تلك الأفعال الّتي يعدِّدُها أهله ممّا يُعدُونها (¬5) محاسن الميِّت فيه، يعذّب عليها (¬6) من إيتامِ الولدان وإخراب العُمران على غير وَجْهٍ يجوزُ".
وقال أبو عبد الملك (¬7): "إنّما أراد بقوله: "يُعَذَّبُ" اشتغال النّفس (¬8) بما يدخل على أهله من الوِزْرِ من سَبَبِه أيضًا" (¬9)، وهذا حسن (¬10) أيضًا.
الثّانية (¬11):
قوله (¬12): "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ" قال الإمام: إمّا أنّ يكون بمعنى الميِّت، فيكون المعنى: يعذَّب بسبب النِّياحة عليه، وذلك أنّه رَضِيَ به إذ (¬13) كان من سببه، أو أعجبه (¬14) أَوْ أوصَى به. أو يكون ذلك يرجع لسبَبِ النَّياحة عليه.
وأقا قول عائشة: "ذَلِكَ الكَافِرُ أَوِ الْيَهُودِيَّةُ يَزيدُهُ اللهُ عَذَابًا بِبكُاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. وَأنَّ الله هُوَ أَضحَكَ وَأَبْكَى، وَقَالَ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬15). وقد ثبتَ في الصَّحيح عن عائشة، من طريق مسروق؛ أنّ يهوديّة دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقال: "عَذَابُ الْقَبرِ حَقٌّ" قالت عائشة: فَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - صلَّى صلاَةً إلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (¬16).
¬__________
(¬1) في المعلم: "وقيل محمله على أنّ المَيت".
(¬2) في المعلم: "بأن".
(¬3) في المعلم: "فعُذّب إذ نفذت وصيّته".
(¬4) في المعلم: "وقيل: معنى يعذب ببكاء أهله، أي أنّ ... ".
(¬5) غ، جـ: "ممّا يعذب بها" والمثبت من المعلم.
(¬6) "ويعذب عليها" زيادة من المعلم يستقيم بها الكلام.
(¬7) هو الإمام البوني في تفسير الموطّأ: 73/ أ ..
(¬8) في تفسير البوني: "نفس الميِّت".
(¬9) "أيضًا" ليست من تفسير الموطّأ.
(¬10) جـ: "حديث حسن".
(¬11) انظرها في عارضة الأحوذي: 4/ 285 - 286.
(¬12) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث البخاريّ (1292)، ومسلم (927).
(¬13) جـ:"أو".
(¬14) في العارضة: "أو كان سنة وأعجبه".
(¬15) فاطر: 18، والحديث أخرجه البخاريّ (1288)، ومسلم (929).
(¬16) أخرجه البخاريّ (1372).

الصفحة 577