كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

خاتمة (¬1):
أمّا البكاء دون القَلْقَلَة (¬2)، فلا حرجَ فيه، وهو ظاهر في أحاديث كثيرة منها حديث جابر الّذي أدخله التّرمذيّ (¬3)، وقوله: "إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَزَمْرِ (¬4) شَيطَانٍ" فأخبر أنَّه لم ينه عن البكاء، وقد ثبت: "فَإِذَا وَجَبَ، فَلاَ تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ" (¬5) وفي الحديث الصّحيح؛ أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال في البكاء: "إِنَّمَا هِيَ رَحمَةٌ" وقال: "تَدمَعُ الْعَينُ، ويَحْزنُ القَلبُ" الحديث (¬6).
نكتةٌ (¬7):
وقوله في حديث أبي سعيد الخدري في "التّرمذيّ" (¬8): لَعَنَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - النَّائِحَةَ والمُستمِعَة.
قال الإمام: هو كما قال؛ لأنّه موافق لقوله وفعله، إِذْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - شَارِبَ الخَمْرِ وَشَاهِدَهَا، فحقّق ذلك ما رواه أبو مالك الأشعري؛ أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَومَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرعٌ مِنْ جَرَبٍ" (¬9).
قال الإمام: هذا لِمَا كانت تفعلُه في الدُّنيا من لباس الحزن (¬10)، واحتزام الحِبَالِ، ولَطمِ الوَجه، وغير ذلك من النَّوح (¬11).
نكتةٌ أصولية (¬12):
هذه الأخبار الوَعِيدِيّة قد تقدَّمَ الجوابُ في وجه وقوع (¬13) ذلك، ووعده ووعيده
¬__________
(¬1) انظرها في العارضة: 4/ 224.
(¬2) في العارضة: "القلقة".
(¬3) في جامعه الكبير (1005). وقال: "هذا حديث حسن".
(¬4) في الجامع الكبير: "وَرَنَّة".
(¬5) سبق تخريجه.
(¬6) أخرجه ابن حبّان (3158)، والبيهقي: 4/ 68 من حديث سعد بن عبادة.
(¬7) انظرها في العارضة: 4/ 224 - 225.
(¬8) هذا العزو فيه نظر، فالحديث أخرجه أبو داود (3128)، وهو الّذي نصّ عليه المؤلِّف في العارضة.
(¬9) أخرجه مسلم (934).
(¬10) غير واضحة في النسختين، والمثبت من العارضة.
(¬11) في العارضة: "الوجوه".
(¬12) انظرها في العارضة: 4/ 225.
(¬13) في العارضة: "وقوعه" وهي ساقطة من النسختين، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

الصفحة 579