تنبيهٌ على وَهَمٍ (¬1):
ظنَّ بعضُ المُحَدِّثين أنّ هذا الحديث يعارض ظاهر حديث ابن عمر المتقدِّم في قوله: "إِذَا مَاتَ أَحَدكمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ"، وقال: إِذَا كَانَ يَسْرَحُ في الْجَنَّةِ وَيَأْكُلُ مِنْهَا، فهو يرى الجَنَّة في جميع أحيانه، فكيف يعرض عليه منها مقعده بالغَدَاةِ والعشيِّ خاصّة؟
قال الإمام (¬2): وليس كما زعم (¬3)؛ لأنَّ حديث كعبِ بن مالكٌ هذا معناهُ في الشُّهداء خاصّة، وحديث ابن عمر في سائرِ النّاس.
والدّليل عليه: ما رُوِيَ عن سفيان بن عُيَيْنَة، عن عمرو بن دينار، عن ابن شهاب، عن ابن كعب بن مالكٌ، عن أبيه؛ أنّ وسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءُ في طَيرٍ خضْرٍ تعلقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ" (¬4)، وفي حديث أبي سعيد الخدري، عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "الشُّهَدَاءُ يغدُونَ وَيَرُوحُونَ إِلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَكُونُ مَأْوَاهُمْ إِلَى قنَادِيلَ مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ" (¬5) وله طرقٌ كثيرة.
الأصول والفوائد:
الأولى:
قوله: "إِنَّمَا نَسْمَةُ المُؤْمِنِ" قال الخليل بن أحمد (¬6): النَّسمة: الجسد، والنَّسم الرُّوح (¬7)، وإنّما سمي الرّوح بالنَّسمة لأنّها في الجسد، والشّيء إذا جاور الشَّيء أو قَرُبَ منه سُمِّي باسْمِهِ.
وقال قوم: قوله "إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ" إنّما أراد بالنَّسَمَة الرُّوح (¬8)، وعلى (¬9) هذا
¬__________
(¬1) هذا التنبيه مقتبس من الاستذكار: 8/ 357 - 358.
(¬2) الكلام موصول للإمام ابن عبد البرّ.
(¬3) في الاستذكار: (ظَنُّو).
(¬4) أخرجه التّرمذيّ (1641) والحميدي (873) وأحمد: 45/ 143 (ط. الرسالة).
(¬5) أخرجه هناد في الزهر (156) وابن عبد البرّ في التمهيد: 11/ 60 - 64.
(¬6) في كتاب العين: 7/ 275.
(¬7) الّذي في العين: "النَّسَمُ: نَفَسُ الرُّوح، يقال: ما بها ذو نَسَم، أي: ذو رُوح ... وكلّ إنسان نَسَمة، ونسيم الإنسان: تَنفُّسهُ".
(¬8) قاله الجوهري في مسند الموطّأ: 203، وانظر المنتقى: 2/ 31.
(¬9) من هنا إلى آخر المسألة مقتبس من الاستذكار: 8/ 360 - 361 بتصرّف وبعض الزيادات.